لازال السادس من أكتوبر 1973 العاشر من رمضان لعام 1393 يشى بحكايات النصر وبطولات الرجال، لمن يريدون تحصين الوعى للأجيال القادمة، لتكون وهجا ساطعا ورافدا ثريا يفجر الطاقات الإبداعية نظما ونثرا بالكلمات وومضا بالعدسات وعزفا بالأوتار، ليملأ وجدان الأجيال القادمة فخرا وشموخا لانتسابهم لهذا الوطن الذى طالما جاد بالشجعان من رجاله. ومازل التاريخ يحفظ انفرادا للمقاتل المصرى على مر العصور، وحده المقاتل المصرى الذى كانت له التحية من عدوه ونده، فسيذكر التاريخ على مداره تحية عدونا المنهزم بعد أسره فى أكبر معركة دبابات فى التاريخ الحديث فى الثامن من أكتوبر لقناص الدبابات البطل محمد أحمد المصرى وقائده البطل يسرى حسان وقائده الأعلى البطل حسن أبوسعده. الفهد القناص.. رقيب مجند محمد عبد المنعم المصرى أحد أبطال وحدات المظلات الذين أذهلوا العدو بصلابتهم وقدرتهم على تحدى الصعاب هو الرقيب مجند محمد عبدالمنعم المصرى من قوة إحدى ووحدات الصواريخ الموجهه المضادة للدبابات التى إشتركت فى معارك رمضان - أكتوبر المجيدة فى قطاع الجيش الثانى الميدانى, وبطلنا يُعد صاحب أعلى رقم قياسى عالمى فى عدد الدبابات التى دمرها اذ بلغ مجموع ما دمره فى حرب رمضان - أكتوبر 27 دبابة اسرائيلية وهو أيضا الذى دمر بصاروخه دبابة العقيد عساف ياجورى قائد لواء 190 مدرع الاسرائيلى الشهير الذى طلب أن يراه ، فبعد أن تم أسره طلب عساف كوب ماء ليروى عطشه ثم طلب مشاهدة الشاب الذى ضرب دبابته ثم أخذ عساف ينظر لهذا الشاب المجند الذى استطاع كسر كبرياء العسكرية الاسرائيلية. وبطلنا من مواليد الاول من يونية لعام 48 بقرية شنباره مركز ديرب نجم محافظة الشرقة وبعد أن أتم مرحلة التعليم الأساسى إشتغل بمهنة ابائه واجداده وهى الفلاحّة , وعندما حان دوره لتلبية نداء الوطن أنضم إلى سلاح المظلات وترقى فى الدرجات حتى درجة رقيب مجند , وواحداً من وابطال فصائل المولتيكا التى قال عنها الخبراء الروس عند دخولها الخدمة فى القوات المصرية ان المصريين يحتاجون الي عشرات السنين لاستيعاب كيفية عملها ، بدءً من زمن تجهيز وإطلاق الصاروخ يستغرق 100 ثانية ولا يصل الي هذا الرقم سوى الجندى الروسى علي حد زعمهم ولكن الجندى المصرى بروح الاصرار استطاع ان يضرب بذلك عرض الحائط وتمكن من أن يصل بهذا الرقم الى 40 ثانية أقل 60% بالمقارنة الى نظيره الجندى الروسى , فكان البطل شديد التركيز والصبر خلال التدريبات العملية حتى جاءت أيام الرماية العملية, وكان دائما الأول على الرماة إذ انه يصوب السلاح ويحكم التصويب ولا يخطئ هدفا فكان يتمتع بمهارة عالية فى إستخدام السلاح وقدرة متميزة على تمييز الأهداف وسرعة فائقة فى إصابة الأهداف مما جعله مميزا بين زملائه الجنود , وبعد أن أنهى مرحلة التدريب التخصصى وآن الأوان أن ينضم إلى المقاتلين فى الميدان لكى يخوض الغمار, فانضم البطل إلى إحدى وحدات الفهد , وفيها ما يرضى تكوينه واستعداده الفطرى فعملها اقرب إلى أعمال الفدائيين , ومن الساعة الأولى بدأت هناك التدريبات الجادة على القتال وتنفيذ المهام , فمنذ الصباح تدريبات اللياقة البدنية وتدريبات التحمل البدنى , ثم التدريب على استخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات الذى سرعان ما أحس ان هذا الصاروخ جزء لا يتجزأ من جسده وكيانه, وفى وحدته الجديدة عرف تنفيذ المشروعات التكتيكية وكيف يعمل رجال الكتيبة جميعهم كفريق واحد أثناء تنفيذ المهام المختلفة فكان التدريب الجاد والواقعى على ما هو يحدث فى أرض المعركة المرتقبة , وأصبح موضع إعجاب وإحترام وتقدير من كل زملائه ومعلميه وقادته, فهو حقا مثال رائع فى الانضباط وبذل العرق والعطاء خلال التدريبات العملية الشاقة وكان يتمتع بالصبر على المصاعب والمشاق, وكان البطل حين يعود إلى بلدته فى إجازة ميدانيه يستقبله وجه أبيه بالتسأل متى تمحون عار الهزيمة ؟, ويسأله أهل القرية مئات الأسئلة , فهؤلاء الجنود الأبطال معلق عليهم كل آمال مصر, وعندما يعود من جديد إلى وحدته كان ينزف الغيظ والعرق , والنفس تحترق شوقا إلى القتال وتنفيذ المهام ليحمل شرف استرداد الأرض ومحو عار الهزيمة , فكان كثيرا ما يتذكر نكسة عام 1967م التى أثرت فيه تأثيراً شديد وزادت من رغبته وشغفه للالتحاق بالخدمة العسكرية ليؤدى واجبه المقدس تجاه وطنه وليمحو آثار النكسة وما يقال عنها من كلام كالحراب يشق القلب ..انه الانسحاب بلا قتال , إلى أن اسعده صوت مذياع القرية يردد أن جيش مصر عاد من جديد فى (رأس العش ) ويصد هجوما جارفا للعدو الإسرائيلى ويكبدها خسائر فادحة وبقوه صغيره من رجال الصاعقة والمظلات , فأحس البطل أن الأمل ينتعش وأن الجندى المصرى لا يستسلم أبدا حتى الموت فسمع البطل أحد أصدقائه يقول إنهم رجال الصاعقة , فقال كمن يدعوا ربه ليتنى أخدم بالصاعقة فأكمل أحداهم كلماته أوالمظلات. ويحل على الجبهة شهر رمضان , وقد وزعت فصيلة بطلنا للعمل فى قطاع الجيش الثانى , واندمج البطل وانخرط مع الجنود من المشاة ,ومن شتى الأسلحة الذين يكونون فريق القتال ,إنها معركة الأسلحة المشتركة . وفى بواكير نهار العاشر من رمضان يرى البطل زمرة جنود مصريين يسبحون فى القناة , ورغم الاسترخاء والهدوء اللذان يخيمان غرب القناة إلا إن البطل يتساءل : "ترى هل ينفجر الصمت بركانا غاضبا ؟ , هل هى المفاجأة المذهلة , هل هو هجوم الثأر والنصر ؟" ويبدو إنها المعركة الحاسمة فها هو المقدم صلاح حواش قائد الوحدة - الذى استشهد بطلا خلال المعارك أكتوبر المجيدة- بوجهه البرونزى , وقامته الفارعة يجمع الرجال وراح يلقى إليهم بنصائحه عدة مرات ويردد ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ويقول لهم إن نصر الله هو نصر الوطن , وهو المجد والشرف , ويحضهم على الإقدام والثبات والفداء , هنا استيقن البطل من ساعة العبور فظل يراجع مع نفسه كل خصائص سلاحه لا يخطئ هدفا , حاد النظر كالصقر , ثابت الأعصاب مثل الأسد , قوى الكلمة وثابت الفكر مثل النمر , خفيف الحركة , سريع القنص تماما مثل سلاحه الفهد. المعارك التى اشترك فيها البطل جاءت اللحظة المرتقبة لحظة القتال كان وقتها العريف محمد عبدالمنعم المصرى احد رجال الفصيلة الثانية من كتيبة الفهد الذى عبر القناة مع الموجات الأولى فى حوالى الساعة الثالثة عصر العاشر من رمضان جنوب جزر البلح وهو حقا فى نشوة وعزم على أن يحقق أقصى ما يملك , وما إن عبر القناة حتى سجد شكرا لله ومعه كتاب الله الذى يضعه هو وزملائه فى جيب سترة القتال , وخلال المدة من العاشر من رمضان حتى الثامن عشر1393, 6 - 14 أكتوبر 1973م فى معاونة أعمال قتال الجيش الثانى الميدانى أثناء صد الهجوم المضادة للعدو, وفى يوم 8 أكتوبر أستشهد المقدم صلاح حواش وإنعكس ذلك بالإيجاب على البطل وزملائه من الجنود بالاستبسال بكل عزم وتصميم فى تنفيذ المهمة المكلفين بها وتصدوا لدبابات العدو ونجحوا فى تدمير أعداد كبيره من دبابات العدو مما أدى إلى فشل الهجوم المضاد بعد تكبد العدو خسائر جسيمة وأنسحب ما تبقى من قواته شرقا وخلال المدة من 6 - 14 أكتوبر نجح أفراد الكتيبة فى تدمير 56 دبابة معادية . ويذكر للبطل فى صباح 7 أكتوبر عندما كانت المواجهة مع الدبابات أكثر ضراوة , اثر ذلك فقد دفع العدو بقوة من الدبابات فى محاوله لان يدمر القوات قبل أن تنضم على قواتنا المدرعة , وغالبا كانت يتصور انه يجب مقاومه كبيرة , وقتها كانت فصيلته تعمل فى قطاع إحدى وحدات المشاه , وتقدمت دبابات العدو طراز ام60فى محاوله منها لتطويق الكتيبة المشاة وفى هدوء بالغ تبعثر السكون المخيم حيث انطلقت صواريخ البطل محمد المصرى من جوف الأرض ومن الحفر جيدة التمويه وانفجرت لتدمر دبابات العدو مع زملائه البواسل , ودفع العدو فى قطاع اللواء بقوة ثلاثين دبابة وبدأ الهجوم المدرع للعدو رهيبا وغبار الدبابات يتصاعد يغطى وجه السماء وأصوات الجنازير صاخبا هادرا وهؤلاء الرجال من فصيلة الفهد صامتون والبطل وقتها كان فولاذى الأعصاب عيناه لامعتان , يقبض على كل زمام الأنفاس والنفس والأعصاب فى حفرته المموهة لا تظهر حتى لأقرب العيون , وتدخل دبابات العدو وتصل لتكون على كثب تماما من مركز قيادة اللواء المشاة وانطلقت صواريخ المصرى وزملاءه من مكمنها , وفوجئت الدبابات بالرجال يدمرون فى بضع دقائق سبعة عشر دبابة , وكان الرجال من المظليين أو من المشاة قاذفى صواريخ الفهد يستمدون الثبات والثقة من ذلك العريف صائب الطلقات عريف مجند محمد المصرى , فإن وقوع أى دبابة فى مداه يعنى هلاكها , وأشعة صواريخه تنطلق مروعه للعدو, و كل شعاع يقابله دبابة إسرائيليه تنفجر ولا تلبس أن تشتعل بفحيح يدوم طويلا , ويظل رمزا لاختراق خرافة الأسطورة الإسرائيلية , التى طالما أشاد العالم بها , ولطالما ظنت ان مقاتليها لا يقهروا . وفى يوم 8 أكتوبر فقد قامت القوات الإسرائيلية من هول مفاجأة العبور يوم 6 أكتوبر بحشد احتياطياتها المدرعة , وهاجمت بقواتها المدرعة لسحق قواتنا الباسلة ولإحداث ثغرة فيها , ودمر البطل المصرى ثلاثة دبابات للعدو, وباسمرار القتال أكمل البطل ثمانية دبابات هى كل ما جاء فى مرمى صواريخه ومن هذه الدبابات التى دمرها دبابة العقيد عساف ياجوري قائد اللواء190مدرع الذى سقط أسير للبطل المصرى,وقبل ان ينتهى الثامن من اكتوبر الثانى عشر من رمضان يسجل البطل الرقم العظيم فى تدمير دبابات العدو , انه فى هجوم على مركز قيادة اللواء وفى محاوله لشق مواقع الكتائب ، يدمر البطل تسع دبابات للعدو , لقد اقر الجميع وقتها له بالفداء والتضحية والشجاعة والبذل وروعة الأداء واصدرا قائد اللواء المشاة أوامره بترقيه العريف محمد المصرى إلى درجة الرقيب , ومنح فصيلته مبلغ 500جنيه , وقد عُرضت بطولته التى تمثلت فى تدميره وحده أكبر عدد من دبابات العدو وهى عدد 27 دبابة من أصل 30 صاروخ فهد, وأسر العقيدعساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلى , ومُنح البطل رقيب مجند محمد المصرى وسام نجمة سيناء من الدرجة الثانية على ما فعله من بطولات وما قدمه من بسالة وشجاعة. الذكريات : يقول البطل محمد المصري: "أصعب وقت عشته كان قبل تدمير أول دبابة لأنني كنت قبل دخول الحرب أتدرب على أهداف هيكلية أي أنني كنت سأواجه دبابة حقيقية لأول مرة وكنت مرتعبا من هذه الفكرة خاصة ان الصواريخ التي كنا نستخدمها وهي روسية الصنع تسمى فهد (طولها 86 سم ووزنها 6 كجم) صعبة الاستخدام لأنها يتم توجيهها بسلك عن طريق صندوق التحكم الذي أحمله وكنت أعرف تكلفة الصاروخ الكبيرة التي تتحملها البلد وأعرف ان أي خطأ في توجيهه سيكون إهدارا للمال بدون وجه حق، وفي يوم 7 أكتوبر خرجت في أول مهمة مع طاقمي المكون من جنديين يتوليان تجهيز الصواريخ لأقوم أنا بإطلاقها، وبعد مرور حوالي نصف ساعة ظهرت أول دبابة إسرائيلية فبدأت في تجهيز معداتي في انتظار اقترابها حتى تصبح على بعد 3 كم مني حيث إن هذا هو أقصى مدى لتأثير الصاروخ أما مداه الزمني فيصل الى 27 ثانية وإذا لم يصل لهدفه في المسافة والوقت المحددين فإنه ينفجر في الهواء، وقبل أن أطلق الصاروخ اقترب مني قائدي المباشر المقدم صلاح حواش ووضع في جيبي مصحفه الصغير وقال لي بصوت مسموع لا اله الا الله وأجبت بحماس محمد رسول الله .. ثم دخلت الدبابة منطقة التأثير فأطلقت أول صاروخ ولم أصدق نفسي وأنا أرى الدبابة تحترق، وبعد أن أصبت الدبابة صاح قائدي "مسطرة يا مصري" يقصد بها أنني قد وجهت الصاروخ بدقة شديدة كما لو كنت استخدم المسطرة في قياس المسافة .. وبعد ذلك بدأت أشعر بالثقة والابتهاج الشديد كلما أصبت دبابة حتى بلغ عدد الدبابات التي دمرتها 27 من جملة 30 صاروخا استخدمتها طوال الحرب وحققت بذلك رقما قياسيا في تدمير الدبابات اذ ان المعدل العادى لصائد الدبابات هو من 6 الى 10 ويحكي المصري عن تدميره لدبابة عساف ياجوري فيقول: "عندما كنا نقوم بمهمة نقوم بها ونعود الى قواعدنا بينما يتولى زملاؤنا من المشاه احصاء عدد الدبابات المدمرة واسر طواقمها ولذلك لا نعرف شيئا عن هوية الموجودين بين هذه الطواقم ، كنت جالسا ذات ليلة في انتظار قدوم سرب دبابات اخر لامارس عليه مهمتي حين تم اسدعائي لقيادة الفرقة الثانية فذهبت في سيارة جيب وعندما وصلت ادخلت الى غرفة مظلمة لمحت من خلال ضوء خافت في احد اركانها شخصين يجلسان احدهما يبدو مصري والاخر له ملامح غير مصرية وطلب مني الضابط المصري ان اقترب للجلوس بجانبه وقال لي انا العميد حسن ابوسعده فهممت بالوقوف للتحيه لكنه امسك بي وقال وهذا هو اللواء عساف ياجوري وقد طلب منا بعد ان أسرناه كوبا من الماء وأن يرى ذلك الشاب الذي دمر دبابته وما أن رأنى هذا الأسير حتى وقف مؤديا التحية العسكرية لى . وبعد قليل سحبني العميد حسن ابوسعده من يدي الى خارج الغرفة وافهمني ان ما فعلته شرف لأي جندي ويروى المصري أقصى اللحظات صعوبة التي مرت عليه خلال الحرب فيقول" ذلك لحظة استشهاد البطل صلاح حواش حيث كنت قد انتهيت من تدمير دبابة من دبابات الأعداء وكان يرقد بجانبي فهتف معلنا سعادته بي ووقف ليحضر لي زمزمية ماء كانت موضوعة خلفنا وفي هذه اللحظة التي وقف فيها اصابته دانة مدفع حولت جسده الى اشلاء وحولت في لحظة الرجل الذي كان يمتلئ حماسا وايمانا الى كومة من اللحم والعظام وبكيت على فراق الرجل الذى عشت معه أياما جميلة واستشهد أمام عينى فى لحظة تلك كانت لمحة قصيرة عن أحد ابطال حرب أكتوبر المجيدة والذى كان يخاف الا يصيب الصاروخ الدبابة فيكون قد أهدر المال العام.