عندما ننادي بربط المحتوى الخبراتي للعملية التعليمية بالواقع المعاش، وأحداثه، ومجرياته، ومفرداته، التي يلاحظها ويدرك تفاصيلها ويتفاعل معها المتعلم؛ فحينئذ نتوقع نتائج ننشدها؛ حيث عمق الفهم لما يكتسبه، والمقدرة على تفسير الظواهر بصورة صحيحة، واستخراج المعاني الباقية أثرها في الأذهان، وتوظيف مهارات التفكير العليا عند التصدي للقضايا المطروحة، مما يعزز شراكته مع مجتمعه، ناهيك عن تنمية مقصودة للمهارات الحياتية؛ إذ يصبح متحملًا للمسؤولية، لديه مقدرة على التواصل، يصنع قراره ويتخذه وفق مراحلَ منضبطةٍ؛ بالإضافة إلى إدراكه ثمرة وظيفية العلم، بما يزيد من شغفه تجاه اكتساب مزيد من الخبرات المربية. السلوكيات أو الأداءات التي تؤدي داخل البيئة التعليمية وتصل لمستوى الخبرة، تصبح وظيفية إذا استطعنا أن نربطها بالواقع الحياتي؛ حيث يسهل ربط الخبرات السابقة لدى المتعلمين باللاحقة، وهنا يحدث تناغم بين الذاكرتين القصيرة والطويلة المدى؛ ومن ثم نعمل على تسريع عملية اكتساب الخبرات عبر استيعاب عمق المفاهيم من خلال البيئة الخارجية؛ لذا لا نركز فقط على الشق المعرفي، بل، يشمل الاهتمامَ الجانبين المهاريَّ والوجدانيَّ؛ ليصبح نموًّا خبراتيًّا متكاملًا، بما يساعد على الربط بين النظرية والتطبيق في شتى ألوانِ علوم المعرفة. المعرفة فقط لا تشكل الوعي الصحيح؛ لكنها متطلب رئيس تحتاج بالضرورة إلى ممارسةٍ وظيفيةٍ تُشبِع الوجدان؛ فحينما نحدث الأبناء عن الصدق؛ فإن ما نقدمه لهم من معلومات تتضمن تعريفًا للمفهوم لا يحدث الأثر إذا ما قمنا بدراسة مواقف حياتية وواقعية تؤكد ماهيةَ هذه القيمة وأهميتَها؛ ليدرك ثمرتها في الحياة، ويزداد عمق الوعي عبر أنشطة مقصودة يمارس من خلالها المتعلم السلوكيات القيمية؛ كالتعاون، وتحمل المسؤولية، والأمانة، ولغة الحوار البنّاء، وهنا نستطيع القول إن الوعي بالسلوك صار مستدامًا ما بين المؤسسة التعليمية والنمط الحياتي المعاش بمفرداته المختلفة. إن تنمية الوعي عبر وظيفية المناهج تمدّ المتعلم بالقيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية والثقافية والاقتصادية والجمالية والإنسانية، وتعد مقومات رئيسة لبناء الإنسان؛ حيث يبدو ذلك في أفكاره، أهي نمطية أم ابتكارية، ومن تحمّله للمسؤولية، أهي قائمة على الجوهر أم المظهر، وهنا نترقب صور السلوك العام التي نرصدها، أهي إيجابية أم سلبية، وبناءً على ذلك نحدد الأثر الطيب، ونواصل تقويم السلوك غير المرغوب فيه. المنهج الوظيفي يشكل شخصية قادرة على فهم واستيعاب وفقه لما يدور في فلكها القريب والبعيد، تستطيع أن تستخدم معارفها عبر أداءات وسلوكيات إيجابية ومن خلال تصرفات تدل على النبل والصفاء والنقاء، وهنا يصبح الاهتمامُ منصبًّا على تطبيقات المعارف لا على الكمّ الذي لا يُحدث التغييرات المنشودة، كما اختلفت النظرة إلى البيئة في ظلّ عناية المؤسسات التعليمية بقضاياها المتجددة، ويُضاف إلى ذلك أيضًا صقلُ الوجدان والعقل بالمعرفة الصحيحة، كونها تُعدّ سياجًا واقيًا ضد المخاطر الفكرية بمختلف تنوعاتها. الرؤية الحاضرة الآن تجاه المناهج التعليمية من خلال الخبراء والمتخصصين والمهتمين بالعملية التعليمية وسوق العمل والاحتياجات المجتمعية تشير إلى أن الخبرات التعليمية الأبقى أثرًا تكمن في مدى ارتباطها بالحياة، وما لها من فاعليةٍ في التغلب على المشكلات، وحلّ قضايا أرهقت الإنسان، ناهيك عن تحقيق حدود للرفاهية لا ننكرها ولا نقلل من أهميتها؛ فالعلم أداة رئيسة لبلوغ جودة الحياة؛ ومن ثم صارت الدعوة عالية نحو فلسفة الربط الوظيفي بين نتاج الخبرات والأفكار، اللذين يصبان في بوتقة ازدهار العمل بمختلف مجالاته وثمارِه. تنمية الوعي من خلال المناهج الوظيفية تجعلنا دائمًا نتساءل بصورة متكررة عن جدوى ما نعملُه لأبنائنا وما نقدمه لهم من خبرات متباينة تسهم في تحسين الإدراك لديهم عبر عمليات مقصودة وأنشطة مخططة، وهنا يوقن المتعلم لماذا يتعلم وما الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه وما الطرائق التي من خلالها يصل لغايته سواء أكانت بعيدة المدى أم قريبة، وهنا نعي أننا قادرون على بناء إنسان يمتلك القيم النبيلة، وفي مقدمتها قيمة المواطنة الصالحة التي لا تنفك عن الولاء والانتماء لوطنٍ يعيش في وجدانه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر