العالم يترقب، والأنظار تتجه إلى القاهرة، فبعد أيام قليلة، ستفتح مصر بوابةً جديدة للتاريخ، وتدعوه من جديد إلى بيت مولده، المتحف المصري الكبير يقف على أعتاب لحظة طال انتظارها، لحظة تُعيد مصر إلى صدارة المشهد، لا كصفحة في كتاب الحضارة، بل كمن كتبت أول فصوله. في هذا الحدث الفريد، سيُكشف النقاب عن قاعة الملك الذهبي توت عنخ آمون، تلك القاعة الممتدة على مساحة 7500 متر مربع، تحتضن أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية تحكي أدق تفاصيل حياة الملك الطفل، من وهج المُلك إلى سكون المقبرة، ومن أسرار البعث إلى خلود الاسم. طريقة العرض هناك ليست مجرد ترتيب لقطعٍ نادرة، بل رحلة زمنية مدهشة يعيشها الزائر، حيث تمتزج الإضاءة بالتقنية، والخيال بالعلم، ليغدو المتحف مسرحًا للتاريخ الحي. ولأن الشمس لا تشرق إلا من مصر، سيشهد الافتتاح أيضًا عودة مراكب الملك خوفو — مراكب الشمس — إلى الواجهة، مركبان ضخمان يتجاوز طول أحدهما 44 مترًا، فيما تُعرض عملية ترميم المركب الثاني أمام الزوار مباشرة، في تجربة حية تمتد لثلاث سنوات من المتعة والمعرفة. كل شيء في هذا الافتتاح مُعد ليكون استثنائيًا: تقنيات تفاعلية، فعاليات علمية وترفيهية، ولقطات لمواقع أثرية لم تُكشف من قبل، لتُعيد للعالم دهشة الاكتشاف الأول. وسيكون الحفل العالمي، الذي يُبث عبر القنوات الدولية، لوحة من الأضواء والوجوه، يشارك فيها رموز الفن والعلم والسياسة من الشرق والغرب، احتفاءً بمصر التي لا تشيخ. اليوم، يستقبل المتحف ما بين خمسة وستة آلاف زائر يوميًا، لكن بعد الافتتاح، يتوقع أن يتضاعف العدد ليصل إلى خمسة عشر ألفًا، ضمن خطة دقيقة تضمن انسيابية التجربة وتوازنها. مصر، التي كانت فجر التاريخ، تعود اليوم لتكون فجر المستقبل، فهنا أرض لا تُنحت حضارتها في الحجر فقط، بل في الذاكرة الإنسانية ذاتها، ومن حقنا أن نقول: نحن أبناء مصر.. أم الدنيا وأبو التاريخ، هنا مصر أم الدنيا وأبوها وأخيه وفيصلته التي تأويه.