يواجه العالم تحديات جسيمة ومتصاعدة من يوم إلى آخر، وهذه التحديات تلقي بظلالها على مختلف دول العالم في ظل الصراعات والنزاعات المتناثرة في كل الاتجاهات، ما يؤثر بدوره على الأوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية، وفي خضم هذه الظروف والتحديات تكون الدولة المتماسكة داخليا أكثر قدرة على مواجهة هذه التحديات مع تعزيز حالة الوعي الجمعي لدى شعوبها ومع الحفاظ على مقدرات الأوطان وأمنها القومي مما يساعدها أيضا على تحمل الأعباء الاقتصادية الناتجة. الدولة المصرية ليست بمنأى عن ذلك فهى كأي دولة في العالم تتأثر بالأزمات العالمية والتحديات الاقتصادية وتداعياتها، وعلى مدار السنوات الماضية تعرضت مصر للعديد من الأزمات الصعبة للغاية والعصية على أي دولة أخرى، من أحداث 2011 في ثورة 25 يناير إلى ما تعرضت له خلال سنتين بعد ذلك حتى ثورة 30 يونيو وما تبعها من أحداث عنف وإرهاب وتخريب قامت جماعة الإخوان الإرهابية وحالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد، ولولا تماسك الدولة المصرية وجيشها وشعبها وشرطتها لما استطاعت تجاوز هذه التحديات والصعاب، ورأينا دولا مجاورة تعرضت لجزء بسيط مما تعرضت له مصر ولم تستطع المقاومة والتماسك وسقطت في مفخ مخططات التقسيم والتفكك. هذا ما أكده السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المُسلحة، في كلمته خلال فعاليات الندوة التثقيفية ال42 التي نظمتها القوات المسلحة، في إطار احتفالات مصر بالذكرى الثانية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، حيث إنه في معرض حديثه عن التحديات التي واجهتها الدولة، أكد أن مصر قد مرت بظروف صعبة خلال العامين الماضيين، وشدد على أهمية دور الإعلام والفن في توعية الرأي العام، ونشر الحقائق، وصون الدولة من حملات التضليل، وفيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، ثمّن السيد الرئيس صبر الشعب المصري وتحمله للضغوط، مؤكدًا أن الإجراءات التي تتخذها الدولة تهدف إلى تحقيق إصلاح حقيقي وجذري، بعيدًا عن سياسة التأجيل أو التجاهل. وهو ما يؤكد أن الدولة تدرك جيداً حجم التضحيات التي تحملها الشعب المصري العظيم ووعيه بالتحديات والظروف التي تواجهها الدولة، كما أن الرئيس السيسي شدد على أن مواجهة التحديات الاقتصادية تتطلب التخطيط والتنفيذ وإرادة شعبية واعية، فالدولة تدرس قراراتها بعناية، وتتخذها دون تردد متى اقتضى الصالح العام ذلك، والرئيس أكد أنه يشعر بمعاناة المواطنين، كونه واحدًا منهم، وأن تجاوز هذه المرحلة الصعبة سيكون بعون الله وبجهد المصريين وإخلاصهم.. وهنا تكمن أهمية سياسة الشفافية والمصارحة التي ينتهجها الرئيس السيسي مع الشعب المصري وإشراكه في تحمل المسؤولية، والحقيقة أن الشعب المصري العظيم من أعظم الشعوب ولا ولم ولن يتخلى عن وطنه أبدا. فدائماً ما يكون الشعب المصري العظيم حاضراً في كل المواقف والتحديات والشدائد، يظهر معدنه الأصيل في دعمه ومساندته لبلده في مواجهة التحديات والأزمات والظروف الصعبة، فلا يتأخر أبدا عن تلبية نداء الوطن، ضارباً أروع الأمثلة في الولاء والانتماء للوطن وحرصه على دعم جهود الدولة للحفاظ على مقدرات الوطن وحماية الأمن القومي المصري، فلم يلتفت إلى دعوات جماعة الإخوان الإرهابية وأعداء الوطن ومن ينفذون أجندات خارجية مستهدفين إثارة الفوضى والفتن والبلبلة وزعزعة استقرار الوطن. وفي ظل مرحلة دقيقة وظروف وتحديات تواجهها الدولة المصرية تحقق استقرار الدولة المصرية وما تشهده من أمن وأمان رغم كل هذه التحديات التي تحيط بنا في المنطقة من توترات جيوسياسية وحدود ملتهبة وأزمات وحروب وصراعات، ورغم ما تواجهه الدولة من تحديات جسيمة ومتصاعدة في الآونة الأخيرة إلا أن هناك صبر ومساندة الدولة من المواطنين مما يعكس الوعي الكبير لدى الشعب المصري بأهمية وطبيعة المرحلة وحرصه على استقرار بلده والحفاظ على أمنه. إن المصريين تجاهلوا الدعوات الهدامة وحملات التحريض ضد الدولة المصرية ويحرصون بقوة على دعم وطنهم والوقوف في صف الدولة ودعم القيادة السياسية، بما يعكس قوة وأهمية تماسك الجبهة الداخلية والتي تعد صمام الأمان للحفاظ على الوطن وحماية الأمن القومي المصري. والجميع يعلم أنه في الأوقات التي تحقق فيها الدولة إنجازات أو تستعيد زمام المبادرة داخليا أو خارجيا، ترتفع وتيرة بث الشائعات والأكاذيب وحملات التضليل بهدف إضعاف الروح المعنوية لدى الشعب، وتحريضه ضد قياداته، وكلما اتسعت فجوة المعلومات أو تأخرت الاستجابة الإعلامية، تجد الجماعة الإرهابية فيها ثغرة تتسلل منها لتصنع أزمة من لا شيء، لذلك تكمن أهمية دور الإعلام في صنع وتعزيز الوعي ونشر المعلومات وأهمية دور مؤسسات الدولة في كشف الحقائق والمعلومات والبيانات ومد الإعلام بها. وفي المقابل، فإن المواجهة الحقيقية مع هذه الحرب الخفية لا تكون فقط بالرد على كل إشاعة أو بتكذيبها، بل من تحصين الوعي الجمعي، وتعزيز ثقة المواطن بمصدر المعلومات الرسمي، وتكثيف الحضور الإعلامي الاحترافي الذي لا يكتفي برد الفعل، بل يسبق بالأرقام والتحليل والتوضيح، لأن المجتمع لا يُحمى فقط بالأمن، بل أيضا بالمعرفة والمعلومة الصحيحة، فحين يكون المواطن على دراية بتحديات بلده، ومطلعا على جهود الدولة، واثقا في مسارات الإصلاح، فإن الإشاعة تموت في مهدها. فجماعة الإخوان الإرهابية لا تتوقف عن بث سمومها وأكاذيبها عبر قنواتها وأدواتها الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، فمن حين إلى آخر تبث وتنشر الشائعات عن الأوضاع في الدولة المصرية وتسعى بكل الطرق غير المشروعة ومن خلال التضليل وتحريف المعلومات إلى تشويه صورة الدولة المصرية والتقليل من حجم الإنجازات الكبير الذي تحققه الدولة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مختلف المجالات، وتعلم جماعة الشيطان خطورة الشائعات باعتبارها أداة فعالة في الحروب تستخدم في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وجماعة الإخوان الإرهابية منذ تأسيسها، اعتمدت بشكل كبير على أساليب التضليل الإعلامي لبناء نفوذها والتأثير على الرأي العام، خاصة بعد أن فقدت الدعم الشعبي عقب الإطاحة بحكمها في عام 2013، واليوم، تلعب الشائعات دورًا مركزيًا في أجندة الجماعة، حيث تستخدمها كوسيلة لتشويه الدولة المصرية وتقويض مؤسساتها. وعلى جانب آخر تعمل الدولة المصرية من منطلق إدراكها لخطورة الشائعات وتأثيرها السلبي على الاستقرار، وفق استراتيجية شاملة للتعامل مع هذه الظاهرة، تتسم بالتكامل والتطور المستمر من خلال الإفصاح الدائم عن المعلومات الصحيحة بشكل دوري لمنع الفراغ المعلوماتي الذي تستغله الشائعات، كما تكمن أهمية أن تعمل وسائل الإعلام على كشف الحقائق والرد السريع على الشائعات، ولم تتوقف جهود الدولة عند هذا الحد فقد شكلت الدولة لجانًا متخصصة في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي للكشف عن الشائعات. وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية والظروف المحيطة بنا في المنطقة من تطورات الأوضاع والتوترات بجوار حدودنا في الدول المحيطة والمجاورة، تزداد المحاولات التي تستهدف النيل من استقرار الدولة المصرية من حرب شائعات ومخططات لنشر الفوضى وهدم الدولة، وجماعة الإخوان الإرهابية وأعداء الوطن يدركون أن مصر على مدار التاريخ عصية على الإنكسار ولن تخضع أو ترضخ لأي تهديدات ومخططات تحاك ضدها من هنا أو هناك، والتاريخ ملئ بالشواهد والأدلة؛ فعند الشدائد دائماً يظهر المعدن الأصيل للشعب المصري الذي يفطن دائماً ويدرك ما يحاك ضد بلده من مؤامرات ومخططات، فلا ينساق خلف الشائعات والأكاذيب ولا يسلم عقله للمخربين ودعاة الفوضى والهدم، فرغم ما مرت مصر به من ثورتين في 2011 و2013، وما تبعهما من أحداث وعدم استقرار ومحاولات مستميتة من قوى الشر لنشر الفوضى وهدم الدولة المصرية إلا أن مصر هزمت كل هذه المخططات وعادت إلى مكانتها القوية واستعادت عافيتها وقضت على الإرهاب وخاضت معركة التنمية والبناء المستمرة والمتواصلة رغم التحديات الجسيمة والأزمات الاقتصادية العالمية وتداعياتها، والاقتصاد المصري يتعافى ومصر تتجه إلى توطين الصناعة بقوة. وتبرز أهمية قضية الوعي كإحدى الركائز الأساسية لبناء الدولة المصرية الحديثة، وكأهم أدوات المواجهة في معركة من نوع جديد، بالعقول المستنيرة، والإدراك الجمعي، والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، بين من يسعى للبناء ومن يخطط للهدم. الوعي، هنا، ليس ترفا فكريا أو شعارا نظريا يلوح به في المناسبات، بل قضية أمن قومي بالمعنى الحرفي للكلمة، فالمجتمع الذي يفتقر للقدر الكافي من الوعي، يصبح صيدا سهلا لحملات التشكيك، ومعرضا للاهتزاز أمام كل موجة من الشائعات التي تستهدف زعزعة ثقته في دولته ومؤسساته، وقد أدركت الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذه الحقيقة مبكرا، فجعلت من تعزيز الوعي الوطني أولوية قصوى، فلا يكاد يخلو خطاب رئاسي من التأكيد على أهمية "بناء وعي حقيقي لدى المواطنين"، وهو ما تجسد في إطلاق مبادرة بناء الإنسان ودعم عدد من المشروعات الثقافية والتعليمية والإعلامية، وتكثيف جهود التنوير والتثقيف، وإطلاق الرسائل التوعوية الموجهة، خاصة لفئة الشباب. إن دعم الدولة لقضية الوعي لا يجب أن يظل مقتصرا على الخطاب الرسمي، بل ينبغي أن يمتد إلى منظومة تعليمية حديثة، وإعلام مهني حر ومسؤول، ومنابر دينية مستنيرة، ومراكز بحثية تقوم بدورها في كشف الحقائق وتحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية بعمق وشفافية. وبكل تأكيد الدولة المصرية لديها إرادة وصلابة لا تلين في مواجهة هذه التحديات بفضل تكاتف الشعب المصري العظيم مع الدولة في مواجهة التحديات والظروف الاقتصادية تحديداً، فالشعب المصري واع ولديه الحنكة والفطنة في التعامل مع الأزمات ويدرك ما يحاك لوطنه من مخططات تستهدف النيل من استقراره وإحداث الفوضى والهدم والتخريب، لكن يظل وعي الشعب هو الصخرة التي تتحطم عليها مخططات الأعداء. وتبقى صناعة الوعي هى المعركة الأهم بجانب معركة البناء والتنمية، وهو ما يؤكده الشعب المصري دائما بالالتفاف خلف القيادة السياسية ومؤسسات الدولة، ورفض أي محاولات لزعزعة الثقة فيهما، والتصدي لأي محاولات تستهدف النيل من الدولة، والوعي مسؤولية مجتمعية يشترك فيها جميع أفراد المجتمع، بدءا من المواطنين العاديين، وصولا إلى الإعلاميين وصناع القرار وقادة الرأي والفكر والمؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والثقافية، لنشر الوعي بين المواطنين.