فى شهر مارس من ( عام 2004 ) أصدر مركز كارنيجي للسلام الدولي ورقة بحثية خطيرة _ تم تَبَنيها من قِبل وزارة الخارجية الأمريكية _ وتم إعتمادها لتكون بمثابة بداية لمشروع ( الشرق الأوسط الكبير ) وهو مصطلح جيوسياسي جديد ، وقتها قالوا لنا : عليكم بالصمت وإنتظار نسخة جديدة من الشرق الأوسط لكن علي هوى الأمريكان .. وذات يوم من أيام شهر إبريل من ( عام 2005 ) كشفت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس فى حوار لها فى صحيفة "الواشنطن بوست" من أنها ستعمل علي إعادة رسم خريطة المنطقة العربية وبَشرتنا بما أسمته ب "الفوضي الخلاقة" .. وفى ( عام 2011 ) قالوا لنا : أنتم الأن تستقبلون ( الربيع العربي ) الذي سيؤتي لكم بكل ما هو خير ، أياماً معدودات ووجدنا الأشرار وقد خرجوا من جحورهم وتعالت أصواتهم وصدعونا بحناجرهم القميئة ورفعوا السلاح فى وجوهنا وإرتدوا ثياب الفضيلة ونادوا بالتغيير وإستخدموا شعارات كاذبة جوفاء وإنتشروا فى البلدان العربية وهُم مُتأكدون من أنهم جاؤا من حجورهم وخنادقهم ومغاراتهم ليصعدوا إلي سُدة الحُكم وليتولوا السُلطة .. إنها خطة مُحكمة تم رسمها ونُفذَت بِدِقة _ أكثر إحكاماً _ تحت سمع وبصر وبإشراف القوي المُعادية وعدداً من التابعين لها ، نجحت الخطة فى بلدان كثيرة ومنها ( تونسوسوريا وليبيا واليمن ) ، لكنها أُجهضت فى "مصر" فى الوقت الضائع وكأن الله أراد إنقاذ هذا الوطن قبل أن يشرب الخونة وتنظيماتهم وأتباعهم نخب الإنتصار والرقص علي جثة دولة عمرها ( 7000 ) سنة .. ومن يومها ، لم تَسلم مصر من شرورهم ، يخططون الخطة وينتظرون نجاحها لكنها تفشل وبسرعة يجهزون خطة أخري فيفشلون ، لم ييأسوا ، لم يُصيبهم الإحباط ، فلديهم أتباع وأدوات جاهزة لتنفيذ أي خطط جديدة بسهولة تامة ، أسَسوا تنظيمات إرهابية جديدة ، عاثوا فى الأرض المصرية فساداً وإفساداً وإرهاباً وتطرفاً لم يسبق له مثيل ، فَجَروا ، كَفروا ، ذَبحوا ، هَدَدوا ، رفعوا السلاح فى وجه المصريين المسالمين ، وفى النهاية فشلوا بعد أن وجدوا رجالاً أُسوداً تصدوا لهم وقضوا لهم ليعم الأمن والأمان وينعَم المصريون بالإستقرار .. مع مرور الوقت ، يَفتحوا جبهات جديدة ، تشتعل الحدود جمعاء ، النيران تلتهم دول المنطقة بالكامل ، الملاحة الدولية تُهدد وتنهار حرة التجارة الدولية بِفعل فاعل معلوم ، الحروب تشتعل فى المنطقة ، عود الكبريت يشتعل سريعاً وينتشر من منطقة لمنطقة .. لكن مصر لم تهتز ، لم تقلق ، لم تَخَف ، ثابتة ثبات الجبال ، قرارها عقلاني مُتَزِن ، بلا تَسَرُع ، تتعامل بهدوء ودبلوماسية ، تضع مصلحتها وأمنها وسيادتها نُصب عينيها ، ترصُد ، تُتابع ، تَدرُس ، تُقَيم ، تعرض الحلول ، فكل الإحتمالات قائمة وقابلة للتنفيذ مهما ضحينا ومهما تحملنا ، المُهم ألا يأخذ أحد حقنا وألا يضيع حقنا وألا يقترب أحد من مصالحنا وأرضنا وألا يُهدد أمننا .. وعلى مدار عاميين كاملين ، إشتعلت الحرب على قطاع غزة ، ضُربت طهران ومواقع هامة ، قُصفت اليمن وموانيها ، دُمر جنوبسوريا وجيشها ومقراتها العسكرية وقواعدها الجوية والبحرية ، جنوبلبنان أصبح مُستباح وأُضعِف "حزب الله" .. كُنا على الدوام فى حالة يقظة ، سلاحنا ظل صاحي طوال الوقت ، عيوننا لم تَنم ، عزائمنا كانت حديد بإستمرار .. إلى أن تم إيقاف الحرب وتم توقيع إتفاق شرم الشيخ للسلام ، وكان لى شرف الحضور ، وأنا أجلس فى كل الفعاليات مَر أمام عيني كل هذا الشريط الأليم من كل هذه السنوات التى مَرت ، ذكريات مُؤلمة لمخططات خبيثة ، وُقلت بكل ثقة ( نجحنا فى تحويل "الخراب المستعجل" الذي أرادوه لنا إلى سلام عادل وشامل ودائم ، نجحنا فى تحقيق أهدافنا وجعلنا من خططهم لتوسيع الصراع فى الشرق الأوسط إلى توسيع السلام فى الشرق الأوسط ، نعم حَوَلنا "الخراب المستعجل" لإستقرار برعاية دولية وبحضور قيادات العالم )