في زمنٍ يضيق فيه صدر العالم، هناك قلوب تتسع كأنها خلقت من سماء لا تعرف نهاية، وجوههم مألوفة، لكنك إن دققت النظر، أدركت أنهم يشبهون الأنبياء في لطفهم، لا يُخاصمون أحدًا، ولا يحملون حقدًا في الجيب ولا في القلب، يحبون الجميع وكأن قلوبهم لم تُمسّ بخيبة، وكأنهم لم يذوقوا مرارة الخذلان يومًا، هؤلاء لا يمرّون مرور الكرام، لأن مرورهم يترك أثرًا لا يُمحى. هُم الذين يجبرون الخاطر دون إعلان، يرممون ما انكسر في الأرواح بكلمة، بنظرة، بابتسامة من تلك التي لا تُشترى، لا يملكون عصًا سحرية، لكنهم يصنعون السحر، لأن محبتهم لا تطرق بابًا، بل تدخل القلوب بلا استئذان، وتؤثثها بالدفء. لا يسألون: من أنت؟ ولا يشترطون معرفةً سابقة كي يمنحوك قبسًا من الطمأنينة، يتعاملون مع الناس كأنهم جميعًا إخوة في رحلة واحدة، لا يعرفون الغلّ، ولا يجيدون الردّ على القسوة بمثلها، هم السند في غياب السند، وملجأ من لا ملجأ له. في حضورهم، تسقط كل مسافات الحذر، تشعر أن العالم أوسع، وأنك ما زلت صالحًا للحب، مهما تكاثفت حولك غيوم الخذلان، يمنحونك اليقين بأن الإنسان لا يزال جميلًا، وأن النُبل لم يمت بعد، فقط قلّ من يحمله على كتفيه دون منّة. الغريب أنهم لا ينتظرون شكرًا، ولا يبحثون عن دور البطولة في مشهد الحياة، يكتفون بأن يكونوا الضوء حين يعمّ الظلام، وحين تسألهم: لماذا تفعلون هذا؟ يبتسمون كأن السؤال ذاته غريب، ويجيبون: لأننا نحب، ولا نعرف غير ذلك. هم قلة، لكنهم إذا مرّوا بحياتك، غيّروها إلى الأبد، فابحث عنهم، وإن وجدتم أحدهم، فتمسكوا به، فمثلهم لا يتكرر، وإن رحلوا، ظلّ أثرهم كالعطر، لا يُرى، لكنه يُشَمّ في كل لحظة صدق.