اهبطوا مصرَ، فإن لكم ما سألتم.. على ترابٍ مُخضّب بالتاريخ، وسَكينةٍ ما زالت تهمس بها الرياح، كان اللقاء، في شرم الشيخ، حيث تعانق الجغرافيا السماء، وحيث الأرض تشهد لمن صافحها، واحتضن ترابها، بأن السلام ممكن، ولو بعد حين. هنا، في مصر، في أرضٍ لم تَكُن يومًا عادية، وُقّع ما يشبه المعجزة السياسية، وقف النزيف، سُحبت ألسنة اللهب، وارتفع صوت العقل على ضجيج البارود. اتفاقٌ لوقف إطلاق النار في غزة، بعد عامين من القصف والعطش والدخان، انسحابٌ للاحتلال، ودخولٌ للمساعدات، وتبادلٌ للأسرى، وكأن ما كان، أصبح ماضياً يُروى، لا واقعًا يُعاش. العالم وقف مُندهشًا، لا من توقيع الورق، بل من أن هناك من لا يزال يُصرّ على أن الإنسانية لا تُهزم. وهنا تبرز مصر، لا كوسيط، بل كقلبٍ نابضٍ بالعروبة، بحكمةٍ تحفظ الدم، وحنكةٍ تُضمد الجراح. برعايةٍ ثلاثية مصرية–قطرية–أمريكية، وبجهود حثيثة للرئيس السيسي، وبخطة حملت توقيع ترامب، طُويت صفحة دامية، فُتحت بدلًا منها نافذة تطلّ على العدالة، وربما، على أمل. مصر التي إذا ما تحدثنا عنها، جفّ المداد، التي قال فيها الرحمن "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، لم تكن يومًا حدودًا على الخريطة، بل كانت دائمًا الخريطة، هي الأم، والأب، والأخ، والفصيلة التي تأوي كل من ضلّ الطريق. هنا مشت هاجر، وهنا كُلم موسى، وهنا التقت دموع يوسف بدموع إخوته، هنا كان الفتح لا الغزو، والعلم لا الجهل، والحكمة لا الفوضى. هنا الأزهر، لا يصرخ بل يُنصت، هنا النيل، لا يجري بل يُنشد، هنا الجدعنة تُدرّس، والكرم فِطرة، والمحبة عادة. مصر وحدها من حمل القضية كأنها ابنها، رعَتها حين تخلّى الآخرون، ولم تساوم على دمٍ، ولا على ذِكرى شهيد. قدر مصر أن تكون كبيرة، وأن تبقى وسط النار باردة، ووسط الفوضى عقلًا، ووسط الضياع بوصلة. قدرها أن تبقى.. كي يبقى العرب بخير.