أخاف من تحليلات أساتذة علم الاجتماع، لأن لهم أنوفا حادة، وعقولا جبارة قادرة علي توصيف الواقع، واستقراء الاَتي.. اخاف منهم لأني أثق في رؤيتهم وبالتالي يتملكني القلق من صدق تنبؤاتهم، خاصة عندما تتجه الي التحقق. صديقتي أستاذة علم الاجتماع قدمت وصفة تحليلية للمجتمع المصري، في هذه اللحظة، فقالت إنه في حالة كمون، تسبق السخط، والغضب. وصفتها أزعجتني، ربما لأن السخط والغضب غير محسوبي العواقب.. ومن هنا يأتي الخوف، فالاستقرار الاَمن مع قليل من الانجازات أفضل من الحركة المجازفة التي قد تجر الفوضي. الغريب أن كلماتها ووصفتها أنعشت الكثيرين الذين كانوا يشاركون في الجلسة، بل إنها بعثت أملا جارفا في بعض الشباب الذين يحلمون بالتغيير، ويتوقون إلي طعم التجديد، حتي لو غير محسوب، فبالنسبة لهم كل جديد هو أمل، أفضل من الواقع. صديقتي عالمة الاجتماع، "الله يجعل كلامها خفيفا علينا"، تري فيما تري أن الإضرابات والمظاهرات التي تسللت إلي حياة المصريين هي من علامات بداية إرهاصات انتهاء مرحلة الكمون، والانتقال إلي مرحلة أخري هي مرحلة اللاخوف، وطلاق اللامبالاة والخوف.. هي مرحلة عودة الشعب إلي الوطن، بعد أن كان الوطن لسنين طويلة وطنا بلا مواطنين، وبعد أن ساد لقرون التهميش وطبعت شخصية المصري بالاستكانة و"الطاعة"، وانكبّ كل من بقي في دمه إحساس، وفي عروقه كرامة، علي الدين، ليستعيد توازنه المفقود في الحياة، بالسعي للحصول علي الثواب في الحياة الآخرة.. فساد عدم الاكتراث والزهد حتي في أبسط الحقوق. الآن بدأت الاحتجاجات والمظاهرات تأتي بنتائج إيجابية، فحصل العمال والموظفون علي بعض حقوقهم، وانتقلت تدريجيا هذه التحركات الإيجابية إلي بقية المجموعات المهنية التي طالما عانت ظلما، ورفعت بدورها شعارا جديدا: "نبطل نمشي جنب الحيطة". وكان هذا الشعار الذي سري في جسد المصريين لحقب طويلة "نمشي جنب الحيطة" مثل المخدر طويل المفعول احتاج علاجا بتغيير الجينات، حتي تتجدد الخلايا الميتة. صديقتي حاولت أن تطمئن مخاوفي فأضافت: إن الكمون، وما يتبعه من تململ وسخط وغضب، لا يعني بالضرورة العنف أو التطرف أو الإرهاب، وإنما يعني بداية التذمر والتعبير عما يقلقنا، ويغضبنا، ويزعجنا.. إنه يعني أيضا ألا نسكت علي الظلم والاستغلال، والبلطجة. بعد هذه الوصفة.. أتمني فقط أن "نبطل نمشي جنب الحيطة".. لكن ألا ندخل في الحيطة!! * حصة التعبير "إيثار حمدي عواض"، تلميذة في الثانية عشرة من عمرها، متقدة حيوية ونشاطا وذكاء، هالني ما قالته عندما زارتني مع أهلها، وهم من خيرة الأصدقاء، خلال العيد. كانت تتحدث عن التعبير في حصة العربي، فقط طُلب منها أن تكتب تعبيرا عن حب الوطن والانتماء إليه. "إيثار" لا تشعر بهذا الحب، ولا بالانتماء إليه، والسبب أن الناس الذين تراهم في الشارع، وفي المحيط لا يعكسون أي حب لهذا الوطن؛ فسلوكياتهم تدل علي كره، وأنانية وكفر بأي معان جميلة. كتبت "إيثار" التعبير، مسودة أولا، فقالت: تتمتع مصر بجو جميل صاف ومعتدل طوال السنة "زفت وكله تلوث وقاذورات"، وتطيب الحياة في هذا البلد الذي أنجب العلماء والمشاهير "كان زمان"، ومصر هي بلد الأبطال الذين حرروا الوطن من كل استعمار طامع في خيراتها "موش صحيح خرجوا بالمعاهدات، ثم اتفاقية السلام وموش بالسلاح". ومن واجبنا نحن الشباب أبناء هذا الوطن أن نخلص له ونعمل بجد حتي نحقق التنمية والنهضة المنشودة "كذب، نفاق"، وأن ننتمي إليه لآخر قطرة دم في عروقنا وآخر لحظة في حياتنا "ممكن نعيش في أي بلد آخر نختاره.. ممكن نعيش مع بابا في ... مادام بلدا حلوا وجميلا". طبعا ما بين القوسين هو موقف "إيثار" الحقيقي، و"إيثار" ليست وحدها فيما تشعر به، وهو ليس علامة كره أو كفر بهذا الوطن، ولكنه يعكس وعيا بكل السلبيات التي تحيط بنا، وغيرة علي أننا يمكن أن نكون أفضل.. والتغيير يبدأ بالوعي، ومادامت "إيثار" وأمثالها من أطفالنا وشبابنا لديهم هذا الشعور وهذه الغيرة، فالأمل في الأفضل قوي، والوطن بهم سيكون بالتأكيد أقوي وأصح وأجمل. تحية ل"إيثار": لا تقنطي.. فصديقتي عالمة الاجتماع تؤكد أن الآتي تملكه أيدينا! * نقطة ضوء النجاح سلالم لا تستطيع أن ترتقيها ويدك في جيبك. العلم هو الخزانة التي لا يتسلل إليها اللصوص، وألف دولار في يد الجاهل تصبح حفنة تراب، وحفنة تراب في يد متعلم تتحول إلي ألف دولار. العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه. العلم يحطم الغرور، والغرور قشرة الموز التي تتزحلق عليها وأنت تتسلق جبل النجاح. حاول أن تسعد كل من حولك؛ لتسعد، ويسعد الآخرون من حولك، فأنت لا تستطيع الضحك بين الدموع.. وسعادة الإنسان تتضاعف بعدد الذين تنجح في إسعادهم. إذا اتسع رزقك فحاول أن تسعد الناس ببعض مالك، وإذا ضاق رزقك فحاول أن تسعدهم بالكلمة الطيبة. حاول أن تضمد جروح بعض الناس، وتسهم في ترميم بيوت آيلة للسقوط، ولا تحاسب الناس، فحسابهم إضاعة للوقت! سدد بعض ديون الناس عليك، فبعضهم أعطاك خلاصة تجاربه، وبعضهم أعطاك ثقته، وبعضهم ملأ عقلك، وآخرون ملأوا قلبك.. ولا تنس أن سداد الديون يجعلك "جَمْعًا"، فلا تقف وحدك في مواجهة عواصف الحياة.