العين بالعين والسن بالسن والهزيمة بالنصر والأفرول مقابل البيجامة الكستور..! كانت لفتة ذكية ورسالة مؤلمة و مهينة من الرئيس السادات لقادة الكيان الصهيوني عقب نصر أكتوبر المجيد مباشرة ..! السادات فكر في " تذكار" يعود به الآسر الإسرائيليين لا ينسوه أبدا ويبعث من خلاله رسالة يفهمها جيدا قادة إسرائيل وخاصة رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان وتحقق الهدف منها ..فكانت فكرة ارتداء الآسرى الصهاينة بيجامات الكستور خلال عودتهم الى تل أبيب وسط حضور وسائل الاعلام التي وثقت بالصورة الصحفية والمرئية تلك اللحظة وعلامات الحزن والدموع التي بدت على ملامح جولدا مائير وموشيه ديان و غيرهما من القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل الذين كانوا في استقبال الأسرى. لكن كيف لاحت الفكرة وبرقت في ذهن الرئيس السادات..؟ قبيل انتهاء حرب أكتوبر والنصر الساحق والهزيمة المذلة لإسرائيل ترأس الرئيس أنور السادات جلسة لمجلس الوزراء. فرحة النصر تكلل ملامح وجهه، وعيونه تلمع بالفخر والاعتزاز لما حققه الجنود على جبهات القتال، وضحكته المميزة لا يتسع لها جنبات المجلس. ينظر السادات الى المهندس إبراهيم سالم محمدين وزير الصناعة أثناء حرب أكتوبر – محمدين تولى وزارة الصناعة في الفترة ما بين 27 مارس 1973 وحتى 25 سبتمبر 1974- قائلا بأسلوبه الخاص ومازالت ضحكته متدفقة: - يا إبراهيم الولاد الأسرى الإسرائيليين دول عايزهم يرجعوا لابسين حاجة تذكار . يلتقط وزير الصناعة رسالة السادات ويدرك ما يريده فيرد على الفور: - حاضر ياريس. تؤمر نلبسهم بيجامات كستور من المحلة و أنا سوف أأمر الشركة بعمل خط انتاج خاص لانتاج 500 بيجامة..! تعالت ضحكات السادات وضجت قاعة مجلس الورزاء بمن فيها بالضحك والتصفيق لذكاء الفكرة ومعناها في الثقافة الشعبية المصرية..! وزارة الصناعة لعبت دورا كبيرا أثناء حرب أكتوبر في امداد وتزويد قواتنا المسلحة الباسلة بالملابس و الأغطية والأحذية والطعام المجفف و المعلبات الى جانب دورها في انتاج الصناعات الثقيلة وقد منح الرئيس السادات قلادة الجمهورية ونجمة سيناء لرجال وزارة الصناعة والمهندس إبراهيم سالم محمدين ولد في سبتمبر من عام 1921، تولى وزارة الصناعة قبل حرب أكتوبر بسبعة أشهر، ثم تولى إنشاء ورئاسة مجلس إدارة شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب منذ إنشائها عام 1982 حتى 2001 وتوفي في نوفمبر 2018 عن عمر يناهز ال97 عاما- وهو بالمناسبة جد الصديق العزيز الكاتب الدكتور إبراهيم مجدي حسين، استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس- أما البيجامات الكستور فقد كانت فخر الصناعة الوطنية في الملابس فقد اشتهرت مصر منذ الستينات بالصناعات الكبرى وتوسعت مصانع الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى في انتاج الملابس المصنوعة من القطن والكتان والحرير. البيجامة الكستور دخلت التاريخ، عندما أمر الرئيس الراحل أنور السادات بأن يرتدى الأسرى الإسرائيليين هذه البيجامات، خلال عملية تبادل الأسرى، ففي الثقافة الشعبية المصرية كان الأطفال يرتدون البيجامات الكستور عقب عملية الختان أو " الطهور" التي كان يقوم بها الحلاقين في الأرياف والمدن الصغيرة، حتى لا يشعرون بالألم و آثار الجرح الناتج عن العملية ثم يقوم الأهالي بالغناء لهم في زفة شعبية كما رصدها صلاح جاهين بكلماته وألحان سيد مكاوي "يا أم المتطاهر رشي الملح سبعة مرات لمقامه الطاهر رشي وقيدي سبعة شمعات . ياعريس يا صغير علقة تفوت ولا حد يموت لابس ومغير وهاتشرب مرقة كتكوت" البيجامات عند انتاجها في الستينات تميزت بثلاثة ألوان فقط هي الأحمر المخطط والأبيض، والأزرق والأصفر المخطط أيضا مع الأبيض ثم أمر الرئيس عبد الناصر يزيادة الألوان لتضاف اليها الأخضر والفستقي والأزرق الفاتح وكانت تباع في شركة بيع المصنوعات وعمر أفندي والمتاجر الشعبية والكساء الشعبي بحوالي 75 قرشا...وكان يتم صرفها على بطاقات التموين أو بكوبون خاص لشراء الأقمشة. من هنا كان إصرار الرئيس السادات على إلباس الأسرى الإسرائيليين بيجامات كستور وإعادتهم بها لإسرائيل، وأصداء أنغام وكلمات الزفة الشعبية تتردد في وجدان جولدا مائير وموشيه ديان وباقي القادة العسكريين الذين يعرفونها جيدا، فيزداد شعورهم بالذل والعار والانكسار فيما يرى مؤرخون متخصصون إن البيجامات المقلمة بالنسبة للصهاينة تذكرهم بالألم والمعاناة المعاناة منذ الحرب العالمية الثانية في السجون الألمانية أثناء حكم النازي ، وأن رسالة السادات وحبه للألمان قبل ثورة يوليو، كان معناها «إن المصريين تمكنوا من اذلالكم وتذكيركم بما حدث لكم في الحرب العالمية" في المقابل تسبب مشهد الآسرى العائدون بالبيجامات الكستور في صدمة جولدا مائير وبكائها وهو ما فسره العارفون بأن الرسالة وصلت وبشدة..