العلاقات المصرية السعودية علاقات أخوية جذورها راسخة في الأرض، أصلها ثابت ثبوت الجبال الراسيات، لا يتزعزع برياح عابرة ولا هنات صغيرات، فهي في الأصل علاقات أخوة ونسب وقبائل مشتركة ودماء اختلطت في الحروب ورؤى واحدة في السلم.. وقد كان من حظي أن عايشت شخصيات عملت على تطوير وبناء العلاقات المصرية السعودية بشكل عميق وبناء، ومنهم الشيخ هشام محيى الدين ناظر(1932-2015) سفير خادم الحرمين بالقاهرة سابقا ووزير البترول الأسبق رحمه الله، الذي ربطتني به علاقة صداقة رغم اختلاف الأجيال، وكان يقيم صالونا ثقافيا أو مجلسا وديوانية - بمقر إقامته بالزمالك، يسميه"المقعد" والتسمية عربية أصيلة ومصرية أيضا، تدل على غرفة في الطابق الأعلى مخصصة للضيوف ودليل على كرم وحفاوة صاحب الدار. كان ناظر محبا لمصر ولما لا فقد درس في فيكتوريا كولدج التابعة للمدارس القومية بالإسكندرية، وهي مدرسة الملوك والمشاهير التي تخرج فيها الأمير فيصل آل سعود، والشيخ كمال أدهم وعائلة عبد اللطيف الجميل، وعائلة بن لادن، وعائلات الشبكشي، والشربتلي، وغيرها من كبار العائلات بالمملكة. وفي صالونه الدائم أسبوعيا " مقعد الأربعاء"، تعرفت على أعلام مصر والعرب وكان ضيوف المقعد الدائمين الدكتور محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية و الشاعر الكبير فاروق شوشة والشاعر الكبير محمد التهامي والفنان الكبير محمود عبد العزيز والمطرب الكبير محمد ثروت و المستشار يحيي عبد المجيد آخرين. وكان الشيخ هشام ناظر يحرص على توثيق علاقته بكل عضو في الصالون فنادرا ما يغيب عن مناسبة لنا أفراحا كانت أو أحزانا، مرة أقول له هذا فرح ابنة خالتي ومرة فرح ابن عمتي فيقول لي: "ماشي يا أبو حميد أفراح العائلة لا تنتهي..حاضرين " ..وكان صديقنا المشترك المرحوم الدكتور مرعي مدكورعميد كلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر ، قد دعا الشيخ هشام لحفل زفاف كريمته، وظل السفير حتى الصباح في مسامرات معنا وكان حكاء يتمتع بروح الدعابة تغلبه النكتة، فيقول"العرق المصري طق".. ومرة اصطحبنا الشيخ هشام ناظر إلى رحلة بعيدا عن القاهرة في منطقة فايد لمنزل نائب السفير الأمير أحمد بن محمد السديري رحمه الله(2012)، الذي ظل يقيم بالقاهرة طيلة أربعين عاما منذ شبابه حتى رحيله، وكانت مسامرات وأحاديث هناك رائعة عن مصر والسعودية صمامي أمان الأمتين العربية والإسلامية. . وهناك أنشدنا الشاعر السعودي الكبير سعد البواردي(1930-2025) قصيدة في حب مصر..ودعاني بعدها إلى داره في منطقة الدقي، وكان مؤرخا أدبيا وذاكرة من لحم ودم عن تراث الأدب المصري والسعودي.. ثلاثة شخصيات فقط تحتاج إلى فصول وكتب لتسجيل ذكرياتها عن مصر والسعودية، فما بالنا بعشرات الشخصيات المشتركة كعلامات بارزة بين البلدين الشقيقين..التي لن تكفيها المجلدات لتوثيق ذاكرة حية راسخة وعميقة الجذور.