فى السادس من أكتوبر عام 1973، أشرقت شمس جديدة على مصر، تحمل معها فجرًا طال انتظاره، فجر الكرامة والعزة والانتصار. فى ذلك اليوم سطر جيشنا العظيم ملحمة خالدة أعادت للوطن هيبته وكبرياءه، حيث أطلق رجال القوات المسلحة العنان لإرادتهم الحديدية، وقوتهم الفولاذية فصنعوا بدمائهم معجزة العبور التى أدهشت العالم، وحررت الأرض وخلّدت أسماءهم فى صفحات المجد والخلود. كان المشهد مهيبًا، والموقف فارقًا فى تاريخ أمة بأكملها، فاليوم كان يوم الملاحم والعزة ورفع الرأس، حين أثبت أبناء مصر الأوفياء أنهم أبناء حضارة لا تعرف الانكسار، وأنهم على استعداد لأن يحملوا أرواحهم على أكفهم فى سبيل الأرض والعرض، حيث كتبوا ببطولاتهم سطورًا من نور فى سفر التاريخ، وجعلوا من المستحيل ممكنًا، ومن الحلم واقعًا ملموسًا. معجزات كثيرة تخللت العبور، مازالت تدرس فى أعظم الأكاديميات العسكرية كإنجاز نادر غيّر نظريات عسكرية سابقة، ويتم تحليلها لفهم التخطيط العبقرى والتنفيذ الاستثنائى الذى حققه قادة وجنود مصر فى تلك الحرب المجيدة. فبحسب معايير العلم العسكري، فكونك تخوض عملية هجومية وتقتحم ثلاثة خطوط دفاعية كبرى، وهى قناة السويس، والساتر الترابي، ومن بعدهما خط بارليف الحصين فهو أمر يفوق الخيال العسكري. ومع ذلك، نجح أبطالنا فى تحقيقه فى ساعات معدودة، ليُثبتوا للعالم أن العقل المصرى حين يخطط، والقلب المصرى حين يؤمن، فلا شيء يعجزه، ففى ست ساعات فقط، تحطمت أسطورة "الجيش الذى لا يُقهر"، وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية تحت أقدام المصريين، بعدما أسقطوا كل أوهام العدو بنيران الحق، وإيمان لا يعرف المستحيل. لقد كانت حرب أكتوبر ملحمة بطولية متكاملة الأركان، امتزج فيها الإيمان بالعلم، والشجاعة بالحكمة، والتضحية بالتخطيط، ليُولد من رحم التحدى أعظم انتصار عربى فى العصر الحديث، وشهدت رمال سيناء بطولات أسطورية، ترويها وتتذكرها الأجيال. نصر أكتوبر علامة مضيئة فى التاريخ العسكرى تُدرَّس للأجيال، تُعلّمهم أن المجد لا يُورث بل يُصنع، وأن الكرامة لا تُمنح بل تُنتزع بدماء الأبطال. أكدت تلك الحرب الخالدة أن إرادة المصرى لا تُقهر، وأن جيش مصر سيظل عبر الزمان درع الوطن وسيفه، الحارس الأمين الذى لا يغفل، والسند القوى فى كل الملمات على مرّ التاريخ. الجندى المصري، ابن الأرض الطيبة، كان مثالًا للفداء والتضحية، يقاتل بإيمانٍ راسخ نابعٍ من حُب الوطن، مدركًا أن الدفاع عن تراب مصر شرف لا يضاهيه شرف. لقد كان نصر أكتوبر لحظة ميلاد جديدة لوطنٍ انتفض من رماد الهزيمة ليكتب بيديه مستقبلًا مشرقًا ومليئا بالفخر للأجيال القادمة، فقد ولدت تلك الأجيال فى وطنٍ منتصر، حرٍّ، مرفوع الرأس، يدرك أبناؤه أن أجدادهم ضحوا بأرواحهم ليعيشوا هم فى أمن وسلام فى وطن لا تدنسه قدم غريب ولا تلوث هواءه أنفاس محتل. إن حرب أكتوبر المجيدة ليست مجرد معركة انتصرنا فيها، بل هى حكاية أمة استعادت نفسها، وكتبت بأحرف من ذهب قصة صمود وتحدٍ وإصرار، وستظل ذكرى نصر أكتوبر المجيد حاضرة فى وجدان كل مصرى وعربي، رمزًا للفخر والعزة والكرامة. ففى هذا اليوم، تجلت قوة الإرادة المصرية التى لا تعرف المستحيل، وتجلّى معها معنى الانتماء الحقيقى للوطن، لتبقى ملحمة العبور درسًا خالدًا للأجيال فى الوطنية والفداء، وفى أن مصر إذا أرادت فعلت، وإذا اتحدت انتصرت، وإذا نهضت أبهرت. ثقتنا مطلقة فى قواتنا المسلحة، فقد كانت وستظل رمز البسالة والتحدي، رجالها يُضحون بحياتهم من أجل أن تبقى راية مصر عالية خفاقة، تحرس الوطن وتؤمّن حدوده، وتُجسد فى كل ميدان معنى البطولة والفداء. لقد أكد رجال قواتنا المسلحة أن إرادة المصرى لا تُقهر، وأن جيش مصر كان وسيظل القوة العظيمة التى تحمى الأرض والعرض، الدرع الواقى والحامى الأمين للوطن . وهكذا، سيبقى السادس من أكتوبر يومًا خالدًا، يُجسد العزة المصرية فى أنقى صورها، ويذكّرنا دومًا أن مصر لا تُهزم طالما فيها رجال يحمونها، وشعب يؤمن بها، فتحية تقدير متجددة ودائمة لأبطال قوات المسلحة، كل جندى وصف وضابط، وفى المقدمة البطل المغوار الرئيس محمد أنور السادات الذى راهن على براعة وقوة وكفاءة وشرف قواتنا المسلحة وكسب الرهان بجدارة، وتحققت معجزة العبور والنصر ،ونالت مصر احترام العالم .