سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وزير الخارجية من الأمم المتحدة: الشرق الأوسط على حافة الانفجار.. نؤكد رفضنا القاطع لتهجير الفلسطينيين.. مستعدون للاحتكام للقضاء بشأن سد النهضة ولن نتهاون في حقوقنا.. ودعمنا ثابت للسودان وليبيا واليمن والصومال
أكد وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي أن منطقة الشرق الأوسط تقف اليوم على "حافة الانفجار"، مشددًا على أن مصر كانت الدولة الأولى التي أرست دعائم السلام في المنطقة. وقال عبد العاطي، فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن الاحتفال بمرور 80 عامًا على تأسيس المنظمة كان يفترض أن يكون مناسبة للتأمل في مسيرتها ودورها في حفظ السلم والأمن وتحقيق التنمية والرفاهية لجميع الشعوب، وبناء نظام دولي يقوم على قواعد القانون الدولي المُلزم للجميع. لكنه أضاف أن الواقع الحالي للمنظومة الدولية، بعد ثمانية عقود على تأسيسها، أصبح بعيدًا عن تلك الأهداف النبيلة. وأوضح الوزير أن النظام الدولي متعدد الأطراف يعيش حالة من "السيولة غير المسبوقة"، وأن آلياته تفقد مصداقيتها بسبب الجرائم والانتهاكات الممنهجة للقانون الدولي، في ظل ازدواجية المعايير وصمت المجتمع الدولي، وهو ما قوّض شرعية النظام العالمي القائم. وأشار إلى أن غياب مقومات الأمن والسلم في الشرق الأوسط يهدد بانفجار شامل، مضيفًا أن الفلسطينيين يقعون ضحايا لحرب "ضروس وغير عادلة" تشنها إسرائيل ضد مدنيين عُزّل، بدافع أيديولوجية متطرفة لا ترى إلا القتل والدمار والتجويع الممنهج، فضلًا عن خطاب تحريضي قائم على الكراهية والعنف. وأكد أن العدوان لم يتوقف عند غزة والضفة الغربية، بل امتد ليشمل دولًا أخرى في المنطقة، كان آخرها الهجوم على قطر. وذكّر عبد العاطي بالزيارة التاريخية للرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس عام 1977، معتبرًا أن مصر آنذاك وضعت أساس عملية السلام، لكن العدوان على غزة منذ عامين والانتهاكات اليومية في الضفة أضعفا هذه الأسس التي استغرق بناؤها أكثر من 45 عامًا. وفي هذا السياق، استعرض وزير الخارجية الرؤية المصرية للتعامل مع الأزمة الحالية، مشيرًا إلى الامتنان لما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من استعداد كامل للعمل مع قادة المنطقة لإنهاء الحرب في غزة، على أساس رؤية شاملة لحقن الدماء وضمان الأمن للجميع واستعادة الثقة المفقودة. وأكد عبد العاطي التزام مصر بالتعاون مع هذه الرؤية، من أجل استعادة الاستقرار وفتح أفق سياسي يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، إضافة إلى إطلاق سراح الأسرى والرهائن ومعالجة معاناة الضحايا في القطاع. ولفت إلى أن مصر، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، تبذل جهودًا مكثفة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يكون مستدامًا، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق لمواجهة المجاعة التي "تسببت فيها إسرائيل"، مؤكدًا أن حماية المدنيين وتوفير مقومات الحياة الأساسية يجب أن تكون أولوية المجتمع الدولي. وشدد عبد العاطي على رفض مصر القاطع لأي خطط لتهجير الفلسطينيين، واصفًا ذلك بأنه "جريمة تطهير عرقي"، وأضاف: "لن تكون مصر أبدًا بوابة لتصفية القضية الفلسطينية أو شريكًا في نكبة جديدة". وأشار إلى أن مصر قدمت خطة متكاملة للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة حظيت بقبول عربي وإسلامي ودولي، مثمنًا في هذا الصدد الدور الحيوي لوكالة "الأونروا" في دعم ملايين اللاجئين الفلسطينيين، داعيًا إلى ضمان تمويل مستدام لأنشطتها. وأكد وزير الخارجية أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، بما في ذلك "الإبادة الجماعية" في غزة وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولتهم المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، يجعل أي حديث عن الأمن والسلام في المنطقة بلا معنى. كما جدّد دعم مصر لمسار حل الدولتين الذي قادته فرنسا والسعودية، وأشاد بقرارات بعض الدول التي اعترفت مؤخرًا بدولة فلسطين، معتبرًا أن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق من دون دولة فلسطينية مستقلة. وفي هذا الإطار، حذر عبد العاطي من أن السياسات الإسرائيلية القمعية تغلق الباب أمام آمال شعوب المنطقة في التعايش والتعاون، مشيرًا إلى الرؤية المصرية-السعودية المشتركة للأمن الإقليمي، التي أقرّتها الجامعة العربية كأساس لبناء نظام إقليمي يقوم على الأمن المتكافئ والمستدام. واستشهد الوزير بكلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي أكد فيها أن "السلام هو خيار مصر الاستراتيجي لضمان مستقبل آمن لشعوب المنطقة"، مضيفًا أن يد مصر "ممدودة بالسلام" ولا ينبغي خذلان أحلام الأجيال المقبلة. وتابع عبد العاطي أن سياسة مصر الإقليمية ترتكز على احترام القانون الدولي، والحفاظ على سيادة الدول، وتسوية النزاعات سلميًا، ودعم الدولة الوطنية ومؤسساتها، ومكافحة الإرهاب. وفي هذا السياق، أكد أهمية دعم السودان الشقيق في مرحلته المفصلية الراهنة، ودعم مؤسساته، خصوصًا الجيش الوطني، بالتعاون مع الشركاء الدوليين. كما جدد تأكيد دعم مصر الثابت لليبيا ومؤسساتها الوطنية، والدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضيها، بما يضمن استقرارها ووحدتها. وبخصوص الأزمة اليمنية، أوضح وزير الخارجية أن الحل يجب أن يستند إلى المرجعيات الدولية، مع صون حرية الملاحة وأمن البحر الأحمر، لافتًا إلى أن مصر تكبدت خسائر تفوق 9 مليارات دولار من عائدات قناة السويس بسبب اضطراب حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نتيجة التصعيد في اليمن. وأكد عبدالعاطي، أن أمن الصومال واستقلاله ووحدته الترابية جزء لا يتجزأ من أمن الإقليم، وأن مصر تدعو إلى تضافر الجهود وحشد التمويل اللازم من أجل تفعيل بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار في الصومال "اوسوم"، ولفت إلى اعتزام مصر المشاركة في هذه القوة بمكون شرطي عسكري. وأدان الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة لسيادة لبنان وسوريا ونؤكد على ضرورة احترام وحدة وسلامة التراب الوطني اللبناني والسوري. وقال وزير الخارجية "في ظل هذه الازمات الاقليمية المركبة تقوم مصر بدور انساني بارز من خلال استضافة اكثر من 10 ملايين من اللاجئين بها وتوفر بيئة تحترم حقوقهم وكرامتهم وتضمن حصولهم على الخدمات الأساسية دون تمييز ، ورغم الأعباء المتزايدة التي تفوق قدرتنا واتحدى ان تكون هناك دولة في العالم تستضيف هذا العدد الهائل من اللاجئين وتقدم لهم كل هذه الخدمات وتعاملهم معاملة المصريين، خاصة في ظل الازمات الاقتصادية والاقليمية والعالمية ومع ذلك تواصل مصر التزامها الاخلاقي والانساني ونؤكد على ضرورة تفعيل مبدأ تقاسم الأعباء والمسؤوليات المنصوص عليه في العهد الدولي للاجئين" . وأضاف أن مصر تتبنى سياسية نشيطة للوساطة وبناء السلام تحت قيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي لنسج التفاهمات والتوصل لحلول إثر ما شهدته منطقتنا من استهداف لمنشات نووية خاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمخالفة للقانون الدولي . وتابع أن "مصر تؤمن إيمانا راسخا بأن التعاون وفقا للقانون الدولي ركيزة الاحترام المتبادل والسبيل الأوحد لتحقيق المنفعة المشتركة وقد أثبتت التجارب أن الإجراءات الأحادية تعمق الأزمات وتزيد الفجوات، وفي المقابل ارتأت إثيوبيا مخالفة القانون الدولي وفرض الامر الواقع ضمن سياستها الاحادية المزعزعة للاستقرار في القرن الإفريقي وحوض النيل الشرقي وأعلنت عن انتهاء سدها وأن ما مضى قد مضى حالمة أو بالأصح متوهمة أن مصر ستنسى حقوقها ومصالحها الوجودية للنيل". وأضاف الوزير "وإن كان هناك من يتشدق بمزاعم التزامه بالقانون الدولي فإننا على أتم الاستعداد لتناول الأمر في آليات القضاء والتحكيم الدولي ذلك إن صدقت النية للاحتكام لهذه الآليات القانونية، الأمر الذي لم ولن يتوفر، أما وإن ركنوا للمماطلة وتهديد حياة ملايين البشر في دولتي المصب فإننا لن نتهاون في ضمان حقوقنا وإننا لقادرون على ذلك ويكفل لنا ميثاق الأممالمتحدة ومبادئ القانون الدولي حماية مصالحنا الوجودية في نهر النيل". وأكد عبد العاطي أن إصلاح الأممالمتحدة ومؤسسات التمويل الدولية بات ضرورة ملحة لا يمكن تأجيلها، من أجل ضمان تمثيل عادل ومتوازن في آليات صنع القرار العالمى، وأوضح أن مصر تتمسك بتوافق "عزوريني" وإعلان "سرت" لرفع ما وصفه ب"الظلم التاريخي" عن القارة الإفريقية. وأضاف أن مصر تدعو إلى تعزيز حضور الدول النامية في عملية صنع القرار المالي العالمي، وتوفير التمويل الميسر، إلى جانب معالجة أزمة المديونية. وتابع قائلاً: "نتطلع للبناء على مخرجات المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية الذي استضافته إسبانيا في يوليو الماضي لاتخاذ خطوات فعالة لتمويل التنمية، كما نتطلع إلى تعزيز جهود تمكين الدول النامية من الاستفادة من الرقمنة والذكاء الاصطناعي". وأشار عبد العاطي إلى أن مصر، خلال رئاستها لمؤتمر المناخ (COP27)، بذلت قصارى جهدها لتحقيق تقدم ملموس، خاصة عبر تأسيس صندوق تمويل الخسائر والأضرار. لكنه أعرب عن قلقه المتزايد من استمرار أزمة تمويل المناخ، مؤكدًا ضرورة توفير التمويل للدول النامية دون تحميلها أعباء إضافية. وتابع الوزير قائلاً إن "الظرف الدولي والإقليمي بالغ الدقة، وكان من مسؤوليتنا التاريخية ودور مصر الأممي والإقليمي أن ندق ناقوس الخطر ونحذر من مغبة الوضع الراهن، مع طرح خارطة طريق للتعامل مع هذه المرحلة الحرجة". وأضاف: "نحن أمام منعطف مفصلي، فإما إعادة الشرق الأوسط إلى مسار العقلانية والاحتكام للقانون الدولي، أو الانزلاق إلى الفوضى، حيث يظن البعض أنه قادر على السيطرة بقوة السلاح، غير أن التاريخ أثبت أن غطرسة القوة تنتهي دائمًا بكارثة، وأول من يدفع الثمن هو من يظن نفسه المنتصر". وأكد عبد العاطي أن مصر، بصفتها من الدول المؤسسة للأمم المتحدة، ما زالت بعد 80 عامًا ملتزمة بالقانون الدولي ومتمسكة بتعزيز العمل متعدد الأطراف، انطلاقًا من إيمانها بأن غياب الحوكمة الدولية سيكون وبالًا على الجميع. وشدد على أن الالتزام بالقانون الدولي وتفعيل آليات إنفاذه والمساءلة أمر لا غنى عنه، قائلاً: "لا توجد دولة فوق القانون ولا كيان بمنأى عن المساءلة، وكل ذلك لصون السلم والاستقرار، وتحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الإنسان". واختتم وزير الخارجية كلمته باقتباس من الرئيس عبد الفتاح السيسي جاء فيه: "السلام لا يولد بالقصف ولا بالقوة، ولا عبر تطبيع ترفضه الشعوب. إن السلام الحق يقوم فقط على أسس العدل والإنصاف والتفاهم".