إذا ما صحت الأخبار عن نية الولاياتالمتحدة عرقلة مشاركة البرازيل وجنوب أفريقيا إلى جانب وفد فلسطين من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنها بذلك تجهز على آخر المدافعين عن قيادة الولاياتالمتحدة للعالم الحر والنظام الدولي الذي تسوده قيم الليبرالية والعدالة. وبعيداً عن كون الإجراء الأمريكي التعسفي بمنع وفود أممية من المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة خرقاً للاتفاق الموقع في العام 1947 بين الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدةالأمريكية باعتبارها دولة مقر، والذي يقضي بإلزامية منح الولاياتالمتحدة التأشيرات اللازمة لأعضاء الجمعية العامة، وممثلي الدول، وللأعضاء المراقبين التأشيرات اللازمة دون أي تمييز سياسي، فإن رد الفعل الأوروبي لم يرتقِ حتى وقتنا هذا ليتناسب مع هذا الانتهاك لحق الدول في تمثيل نفسها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ضبابية مواقف الاتحاد الأوروبي وانقسامه على نفسه وفشله في تبني سياسة خارجية موحدة وحازمة خصوصاً تجاه إسرائيل والولاياتالمتحدة، ساعدت الأخيرة على التصرف كبلطجي الحي الذي يخشاه الجميع. فلعبت الولاياتالمتحدة على تباين مواقف دول الاتحاد الأوروبي ونجحت في جر أعضائه إلى حرب العراق 2003، والحرب على أفغانستان، وألزمتهم بدعم إسرائيل عسكرياً في حربها المجنونة على قطاع غزة. وكأن الولاياتالمتحدة لا ترى في الاتحاد الأوروبي أكثر من كونه جهاز صرّاف آلي يتكفل بمشاريع إعادة إعمار ما تدمره الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وقارة من المستهلكين للمنتجات الأمريكية. يبرز السؤال هنا حول ما يمكن عمله أوروبياً لمنع الولاياتالمتحدة من المضي قدماً في منع الوفود الأممية من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة؟ إن انتهاك الولاياتالمتحدة كدولة مقر لاتفاقها مع الأممالمتحدة بحاجة إلى رد فعل قوي وموحد من أوروبا، سواء بتصعيد الضغوط الدبلوماسية على الولاياتالمتحدة، وتشكيل لوبي داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية متساوية الحقوق مع كافة الدول الأعضاء، والدعوة لجلسة خاصة لمناقشة قرار الولاياتالمتحدة المجحف باعتباره خرقاً لاتفاق 1947، وليس بعيداً عن هذا اقتراح نقل مقر الأممالمتحدة إلى إحدى الدول الأوروبية التي تتعهد وتلتزم بعدم منع أي من الدول الأعضاء من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. من شأن هذه الإجراءات أن تعيد الاعتبار للاتحاد الأوروبي ككيان سياسي غير تابع للولايات المتحدة ولا يخشى مواجهة قرارتها التعسفية. ثمة حاجة إلى أوروبا شابة وسريعة الاستجابة لمختلف القضايا الجيوسياسية الكبرى. فبالقليل من النوايا والكثير من الإجراءات، كان بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يكون ثقلاً سياسياً في النظام الدولي يكسر حالة الأحادية القطبية وتخطي عجزه خصوصاً في القضايا الجيوسياسية الكبرى في عالمنا، وأن يعيد الاعتبار لنفسه كقوة وازنة تدافع عن قيم المساواة والديمقراطية والعدالة واحترام القانون الدولي الذي بات انتهاكه من قبل الولاياتالمتحدة وإسرائيل يمر دون حساب.