لنتفق أن الضربة الإسرائيلية للدوحة، هى رسالة قوية، مفادها، أن أذرع تل أبيب قوية وقادرة على أن تطول أقصى نقطة جغرافية للوطن العربى، والتى تعد «تابوه»، ومن ثم فإن الجميع تحت نيران غضبها، وإذا لم يتلقَّ جميع القادة والزعماء العرب دون استثناء، فى اجتماعهم اليوم الأحد وغدا الاثنين بالعاصمة القطرية الدوحة، مضمون هذه الرسالة بهذا المعنى والدلالة القوية، فإن الأمر سيكون معقدا، ومحاولة حثيثة للهروب إلى الأمام ورفض الاستماع إلى صوت الواقع الأليم، وعدم تصديق مثل هذه التهديدات التى صارت وجودية. الوضع التسونامى فى المنطقة، وكسر تابوهات إرادة الأمة العربية، يحتم على الزعماء المشاركين فى القمة، أن يسطروا تاريخا كبيرا، بإعادة اللحمة والاصطفاف وتغليب المصلحة العليا للأمة فوق المصالح الشخصية الضيقة، والتأكيد على أن الجميع فى مرمى الخطر، ولا توجد دولة ما تضمن مطلقا أن تنأى بعيدا عن المخططات الدراماتيكية للمنطقة، فصار خيار «الكأس المسموم» لا مفر منه، فقد جرب العرب كل الوسائل مع إسرائيل، وراعيتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم تأمن من مكرهما، وأن مخططاتهما تتجاوز سقف خيارات الصداقة وعلاقات الشراكة، إلى مخطط السيطرة والاستحواذ على مقدرات الأمة جميعها واعتبارها غنيمة. القمة العربية الإسلامية بالدوحة، لا تحتاج إلى كلمات تحمل عبارات الشجب والإدانة ومطالب المؤسسات الدولية من عينة الأممالمتحدة، أن تضطلع بدورها، وإنما تتطلب كياسة وفطنة وقراءة متأنية للوضع الخطير الذى يهدد الأمة بالانقراض من فوق الخرائط الجغرافية، وإيجاد حلول قوية تضمن أمن وأمان الأمة والحفاظ على مقدراتها، وتظهر العين الحمراء لإسرائيل وتضع مشهد النهاية لأحلام بنيامين نتانياهو، فى تأسيس إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر، وإفاقته على كابوس يزلزل حكومته ويهدد بقاءها، فالخيارات جميعها «كؤوس مسمومة» وطالما أن كل الخيارات سيئة، فإن القادة والزعماء عليهم أن يختاروا الكؤوس السامة التى تسمم خصومهم، وليس العكس. وأبرز القرارات التى يمكن أن ترفع من منسوب الأمل لدى الشعوب العربية، وتبعث برسائل قوية للعدو الأول للأمة، ويصنف بأنه أقوى رد للعربدة فى المنطقة، هو إحياء مقترح تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، والذى كانت قد اقترحته مصر عام 2015 على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسى، الحقيقة أنه وبعد مرور 10 سنوات كاملة من المقترح، أثبتت الأحداث الخطيرة التى تمر بها المنطقة، أن الدولة المصرية كانت تتمتع برؤية ثاقبة وقراءة رائعة ورشيدة للخرائط، وقدرة فائقة على تقديرات المخاطر، واستشراف المستقبل، وأمام ما يحدث فى فلسطين وجنوب لبنان، وسوريا واليمن والسودان والصومال، كان يمكن للقوة العربية المشتركة أن تلعب دورا بارزا فى الردع والقدرة والتأثير المباشر على صنع القرار، فهناك فارق بين جيش عربى موحد، ورمز إرادة أمة بأكملها، وبين جيش معبر عن إرادة دولة منفردة! ورغم التأكيد بأن مصر تمتلك جيشا قوبا قادرا على الحماية والردع وصون الأمن القومى المصرى، والعربى، إلا أن أمريكا وأوروبا، رغم قوة جيوشهم قد أسسوا «الناتو» وتوسعوا فى عضويته، ليصل إلى 32 دولة مستقلة، لذلك فإن فكرة تأسيس قوة عسكرية عربية قوية، تكتسب أهمية كبيرة، ويمكن أن تكون نموذجا مصغرا من «الناتو» تكتسب شرعية قوية، وتمثل الأمة، وتكون رقما فاعلا فى معادلة القوة، وثقلا يعدل ميزان القوة فى المنطقة، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن كل المقومات البشرية والاقتصادية والجيوسياسية، قادرة على نجاحها وتطوير قدراتها. أيضا هناك حلول ورسائل قوية، يمكن للقمة أن تتخذها، منها قطع كل العلاقات مع إسرائيل، وإيقاف قطار التطبيع، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، مع مخاطبة الولاياتالمتحدةالأمريكية، بشئ من الخشونة الدبلوماسية، والتأكيد على أن دعمها المطلق لإسرائيل لن يجلب سوى الخسارة! لا بد للقادة والزعماء أن يدركوا أن هناك مسرحية هزلية سخيفة، أبطالها دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو، تُعرض على المسرح الإقليمى، لكل واحد من أبطالها دور مرسوم بعناية فى الغرف السوداء، ترامب يصدر الوهم للعرب بأنه يدعمهم وقادر على حمايتهم، بينما عيونه لا ترصد سوى مقدراتهم وثرواتهم، فى حين يؤدى بنيامين نتانياهو، دور الذراع الباطشة، التى ترهب وتخيف، فيهرول العرب جريا للارتماء فى أحضان ترامب، مستنجدين طالبين الحماية، وما لحماية إلا بمقابل سخى! هذه الدائرة الجهنمية، تمثل ردة إلى إنسان الغاب، لا ضمير، ولا قوانين أو أعراف حاكمة! هذه المسرحية، تجبر القادة والزعماء على توحيد صفوفهم، ورفع درجات الاستعداد القصوى، لجيوشها، عدة وعددا، وإدراك أن لا مكان وفق هذه المسرحية، إلا للأقوياء.. وأن الوحدة والتكاتف اختيار الضرورة.. والعمل بالقول المآثور «لا يحك جلدك إلا ظفرك» وأنه لا أمان للأمريكان ولا الكيان المحتل!