العربية: إلغاء مشاركة نتنياهو في قمة شرم الشيخ    رئيس الوزراء يتابع جهود تنفيذ إجراءات خفض الانبعاثات والتحول الأخضر المستدام    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات محلية    وزير الري يحذر: 29 دولة إسلامية تعاني من الإجهاد المائي و18 فى مستوى حرج    الرئيس الإندونيسى يصل تل أبيب غدا فى أول زيارة لرئيس دولة من جاكرتا لإسرائيل    "من أنت".. ترامب يهاجم مراسلة بولتيكو ويتهم الصحيفة بنشر أخبار كاذبة    محمد صلاح ينتظر قمة نارية أمام يونايتد فى أول ظهور بعد التوقف الدولى    «حسام زكي»: الموقف المصري كان له بالغ الأثر في تغيير دفة الحوار السياسي    الزمالك يستند على توقيع زيزو إثبات استلام مستحقاته فى جلسة الاستماع    إصابة مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين لنزاع على أرض بمنشأة العمارى بالأقصر    محافظ قنا يوجه بتقديم كافة الرعاية الطبية لمصابى حادث أتوبيس الألومنيوم    إخماد حريق محدود داخل محولات كهرباء فى بولاق الدكرور دون إصابات    تموين الفيوم تلاحق المخالفين وتضبط عشرات القضايا التموينية.. صور    الداخلية تضبط عاملًا تحرش بموظفة داخل صيدلية بسوهاج    استعدادات فى الكنيست قبيل خطاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    وكيل صحة سوهاج فى زيارة مستشفى جرجا : لا تهاون مع أى تقصير فى خدمة المواطن    هل يمكن حصول السيدات الحوامل على لقاح الأنفلونزا ؟ فاكسيرا تجيب    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    د. أيمن الرقب يكتب : إفريقيا ساحة الصراع الخفية    "هتفضل عايش في قلوبنا".. ريهام حجاج تنعى الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    محمد رمضان يوجّه رسالة تهنئة ل«لارا ترامب» في عيد ميلادها    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    بتواجد أبو جريشة.. الكشف عن الجهاز الفني المساعد ل عماد النحاس في الزوراء العراقي    ب 35 لجنة.. بدء التسجيل ب «عمومية أصحاب الجياد» في الإسكندرية    وزير الرياضة: دعم متكامل للمنتخب الوطني.. وما تحقق في الكرة المصرية إنجاز يستحق الفخر    «المالية»: فرص اقتصادية متميزة للاستثمار السياحي بأسيوط    شراكة بين أورنچ مصر وسامسونج إلكترونيكس لتجربة الأجهزة المتعددة المدعومة بالذكاء الاصطناعي    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    نائب محافظ الأقصر يشهد تدريبًا لتأهيل الشباب للعمل بقطاع السياحة والفندقة    ارتفاع أسعار النفط مع بوادر تراجع حدة التوتر التجاري بين الصين وأمريكا    بالفيديو.. الأرصاد: فصل الخريف بدأ رسميا والأجواء مازالت حارة    حجز محاكمة معتز مطر ومحمد ناصر و8 أخرين ب " الحصار والقصف العشوائي " للنطق بالحكم    لحضور أولى جلسات الاستئناف.. وصول أسرة المتهم الثاني في قضية الدارك ويب لمحكمة جنايات شبرا    مصادر تكشف مصير 4 أعضاء ب«النواب» تم تعيينهم في «الشيوخ»    محدش يعرف حاجة عنهم.. 5 أبراج تكتم أسرارها وخطوات حياتها عن الناس    وزير السياحة يترأس اجتماع مجلس إدارة هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية    أحمد فهمي الأعلى مشاهدة ب «ابن النادي»    بورسعيد أرض المواهب.. إطلاق مسابقة فنية لاكتشاف المبدعين    الليلة بمسرح السامر.. قصور الثقافة تطلق ملتقى شباب المخرجين في دورته الرابعة    آداب القاهرة تحتفل بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية    جامعة بنها: فحص 4705 شكاوى بالمنظومة الموحدة.. تفعيل نقطة اتصال جديدة لخدمة المواطنين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    أوقاف السويس تبدأ أسبوعها الثقافي بندوة حول المحافظة البيئة    هل الغسل يغني عن الوضوء؟ أمين الفتوى يوضح الحكم الشرعي بالتفصيل    إعلان أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب 2025 بمحافظة الفيوم    وزيرا ري مصر والأردن يفتتحان الاجتماع ال38 للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    مباحثات مصرية - ألمانية لتعزيز التعاون وفرص الاستثمار في القطاع الصحي    انتظام اللجان الخاصة بالكشف الطبي لمرشحي انتخابات مجلس النواب بالأقصر    وزارة الخارجية تهنئ السفراء المعينين في مجلس الشيوخ بقرار من فخامة رئيس الجمهورية    نتنياهو يصف الإفراج المتوقع عن الرهائن بأنه حدث تاريخي    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    تحرك عاجل من نقابة المعلمين بعد واقعة تعدي ولي أمر على مدرسين في أسيوط    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    فاروق جعفر: هدفنا الوصول إلى كأس العالم ونسعى لإعداد قوي للمرحلة المقبلة    صلاح وزوجته يحتفلان بالتأهل في أرضية ستاد القاهرة    البطاقة 21.. غانا تتأهل لكأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تنطق القاهرة بلسان الأمة.. مصر ترسم حدود الردع ورسائلها تتجاوز الدوحة
نشر في اليوم السابع يوم 11 - 09 - 2025

فى خضم عاصفة الدم التى لم تهدأ منذ عامين على أرض غزة، وبينما يواصل الاحتلال الإسرائيلى عدوانه الأعمى على شعب أعزل اختارت القاهرة أن تقول كلمتها بوضوح: ما يحدث جريمة ضد الإنسانية لا يمكن السكوت عليها. كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى التى دوّت فى القمة الأخيرة لم تكن خطابا عابرا أو جملة دبلوماسية باردة بل جاءت كرصاصة وعى فى وجه آلة التضليل الإسرائيلية ورسالة ردع سياسى تجاوزت جدران القاعة إلى كل العواصم المؤثرة فى العالم.
مصر، بتاريخها ومكانتها لم تعد مجرد طرف يتابع أو يعبّر عن قلقه بل باتت بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء صمام الأمان الوحيد الذى يملك الشرعية والقدرة على ترجمة غضب الشارع العربى إلى موقف دولى متزن يحفظ للقضية الفلسطينية مكانتها ويمنع تحويلها إلى ورقة ابتزاز فى لعبة المصالح. هذا ما جسّدته كلمات الرئيس حين خاطب الضمير العالمى قائلاً إن الجرائم لا يمكن أن تمر بلا حساب وإن الأمن الإقليمى لن يستقر طالما بقيت غزة تنزف.
اللافت أن خطاب القاهرة هذه المرة لم يكن تقليديا. فبدل أن يقتصر على لغة التنديد أو الدعوة إلى التهدئة، وضع الرئيس محددات جديدة للمرحلة: لا تهجير، لا تصفية للقضية، لا تجاوز للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ثلاث لاءات بدت كجدار صلب فى وجه مخططات تُحاك فى الغرف المغلقة. وبهذا الموقف رسمت مصر "حدود الردع" السياسية ليس فقط مع إسرائيل بل مع كل من يراهن على إنهاك الفلسطينيين وتفكيك الإجماع العربي.
هذه الرسائل لم تتوقف عند القاعة بل حملت أبعادا أعمق فى الإقليم. فمنذ سنوات تحاول بعض العواصم أن تملأ فراغ القيادة العربية عبر مبادرات شكلية أو وساطات موسمية. لكن التجربة أثبتت أن لا أحد يمتلك الوزن الذى تمتلكه مصر ولا أحد قادر على الجمع بين التاريخ والجغرافيا والسياسة مثلما تفعل القاهرة. حين يتحدث السيسى عن القضية الفلسطينية فهو لا يتحدث باسم دولة جوار فحسب بل بلسان أمة كاملة ترى فى مصر مرجعا وميزانا.
وهنا تبرز المقارنة التى لا يمكن تجاهلها. ففى الوقت الذى انشغلت فيه بعض العواصم بتوظيف المأساة الفلسطينية لتسجيل نقاط على طاولة السياسة أو لتعزيز نفوذها الإعلامى جاءت كلمات الرئيس لتعيد التوازن إلى الخطاب العربي. لم يكن الحديث موجّهًا إلى إسرائيل وحدها بل إلى كل من يحاول المتاجرة بدماء الفلسطينيين. ومن هنا كانت الرسالة "تتجاوز الدوحة" وغيرها من المنابر التى تحاول احتكار الميكروفون لتقول إن الصوت الحقيقى يخرج من القاهرة لا من أى مكان آخر.
القيمة الكبرى لهذا الخطاب أنه لم يكتف بالوصف أو التشخيص بل قدّم رؤية شاملة لمستقبل الصراع. فمصر لا ترى أن الحل يمر عبر المسكنات أو وقف مؤقت لإطلاق النار بل عبر العودة إلى أصل القضية: دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذه ليست رفاهية سياسية أو مطلبًا تفاوضيا بل هى القاعدة الوحيدة لأى استقرار دائم. وكل ما عدا ذلك مجرد مضيعة للوقت وشراء للدماء.
ولعل الأثر الأهم لرسالة القاهرة هو أنها عرّت زيف الخطاب الإسرائيلى أمام المجتمع الدولي. فحين تتحدث مصر عن الجرائم فإنها تستند إلى تاريخ طويل من الالتزام بالقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة. وبالتالى يصبح من الصعب على أى طرف أن يشيطن الموقف المصرى أو يتهمه بالانحياز. لقد حوّلت القاهرة كلماتها إلى مرجع أخلاقى يضع العالم أمام مسئوليته: إما أن يختار حماية المدنيين وحقوق الإنسان، أو أن يكشف عن وجهه الحقيقى ويمنح الاحتلال ضوءًا أخضر لمزيد من الجرائم.
هذه القوة فى الخطاب لم تأت من فراغ. فهى ثمرة مسار متكامل تبنته مصر خلال السنوات الماضية من فتح معابرها للإغاثة إلى قيادتها وساطات ناجحة بين الفصائل، ومن دفاعها فى المحافل الدولية إلى تحذيرها المستمر من خطورة التهجير. كل ذلك جعل صوتها مسموعا لا باعتباره خطابا إنشائيا بل باعتباره امتدادا لسياسة عملية على الأرض. وهذه المصداقية هى ما يمنح كلمات الرئيس وزنها الحقيقى، ويجعلها محل متابعة واحترام.
قد يقول البعض إن العالم اعتاد بيانات الشجب والاستنكار وإن كلماته قد لا تغيّر فى ميزان القوة الميداني. لكن الحقيقة أن السياسة لا تُقاس بالمدافع وحدها. أحيانا تكون الكلمة أقوى من الرصاصة لأنها تعيد صياغة الوعى وتحدد الإطار الذى تُقرأ فيه الأحداث. وهذا بالضبط ما فعلته القاهرة، رسمت حدودا جديدة للخطاب، وحددت معايير لا يمكن تجاوزها دون ثمن.
وفى عمق المشهد يبقى البعد الإنسانى هو الأهم. فحين يتحدث الرئيس عن رفض التهجير فهو لا يدافع فقط عن الأرض الفلسطينية بل عن فكرة العدالة ذاتها. لأن القبول بتهجير الفلسطينيين يعنى فتح الباب لموجات تهجير أخرى فى المنطقة، ويعنى نسف قواعد القانون الدولى من أساسها. لهذا كان الموقف المصرى حاسمًا: لا قبول بأى عبث بالمصير لا اليوم ولا غدا.
إنها لحظة فارقة فى تاريخ الصراع لحظة تعود فيها القاهرة إلى موقعها الطبيعى كقلب الأمة وصوتها. وما بين الضجيج الإعلامى فى بعض العواصم، والخذلان المتكرر من قوى دولية يبقى صوت مصر هو الأصدق والأقوى. لأنه يستند إلى مبدأ لا يتغير: أن الحق لا يسقط بالتقادم وأن الدم لا يمكن أن يصبح ماءً.
لهذا فإن كلمات الرئيس لم تكن مجرد رد فعل على جريمة بل كانت تأسيسا لمرحلة جديدة تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية وتضع الجميع أمام مسئولياتهم. إنها ليست معركة شعارات بل معركة وعى ومبادئ. ومصر بلسان قائدها، قالت للعالم: نحن هنا، نحمل الأمانة، ونرسم حدود الردع، ونعرف تماما أن صوت القاهرة حين ينطق يتجاوز القاعات والدوحات إلى الضمائر الحية فى كل مكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.