لو تقدّم للزواج عريس مليونير يرى أن الحب صعب، وشاب فقير قادر أن يُشعِرَكِ بالحُب والاحتواء والأمان لآخر يوم فى عمره.. من ستختارى؟ هذا السؤال يطرحهُ الفيلم الأمريكى "مادِيّون" Materialists، الذى يُعرَض حاليًا في السينمات، ويعطى الفرصة للمُشاهِدَة للاختيار. بطلة الفيلم "داكوتا چونسون"، تُجسّد دور "لوسي"، وسيطة زواج، أو خاطبة، فى شركة ضخمة متخصصة بالتوفيق بين الرجال والنساء، "لوسى" امرأة ناجحة فى عملها، جميلة وجذابة، ذكية جدًا، لديها طريقة مُقنِعة ساحرة، مجتهدة فى عملها، عزباء لكنها تطمح أن تتزوج رجل ثرى ثراءً فاحشا، ظنًا منها أن الحب غير مهم بالنسبة لها. وبالفعل تلتقى لوسى "بيدرو باسكال"، أو "هارى" رجل الأعمال المليونير الجذاب، فى حفل زفاف شقيقه، لأنها الخاطبة التى وفّقَت بين العريس والعروس، لفتت نظره عندما استمع إليها وهى تتحدث مع سيدات مدعوات لحفل الزفاف عن طبيعة عملها، تتحدث عن كيف تُوفّق بين اثنين وتنجح العلاقة، حيث إنها ساهمت فى إنجاح 9 زيجات حتى الآن من خلال عملها. خلال حفل الزفاف، تلتقى لوسى "كريس إيڤانز"، الذى يقوم بدور "چون" حبيبها السابق الفقير.. الذى يعمل "جرسون"، ويطمح أن يصبح ممثل مشهور. ثم نشاهد "لوسى" ورجل الأعمال الغنى "هارى"، الأرستقراطي الراقى، الذى يدفع مبالغ كبيرة فى أغلى المطاعم بدون الإطلاع على الفاتورة.. يمتلك سيارات فارهة ومنزل فخم باهظ الثمن، شَعرَت "لوسى" أنها مُنجذِبة ل"هارى" الرجل الغنى، لأنه يجعلها تشعر أن لها قيمة، أنها غالية، وقال لها بالفعل إن قيمتكِ عالية، وقَبّل يَدَهَا.. لكنها لم تكُن سعيدة.. لأنها لم تشعر أن "هارى" يُحبها. بعد فترة، قال "هارى" ل"لوسى" إنه يرغب فى أن يتزوجها، وتكتشف "لوسى" وجهة نظر "هارى" الرجل الغنى، وهى أن الزواج صفقة تجارية بالنسبة له، تتضمن مصالح متبادلة، يرى أن المرأة ستحصل على أموال كثيرة، والرجل الغنى يبحث عن واجهة اجتماعية يتباهى بها أمام الناس، لكنه قال صراحةً أن الحب صعب بالنسبة له، وقال: "أنا غير قادر أن أحبك، لن أعدكِ بوجود الحب فى زواجنا". هنا ردّت "لوسى" أنه يجب أن يكون الحب عنصرًا أساسيًا فى الزواج.. وبدون الحب سيتحول الزواج إلى معاناة لا رِبح فيه.. وهنا انفصلا بطريقة راقية.. مُذهِلة.. بمُصافحة وابتسامة من الطرفين. نُشاهِد خلال الفيلم مشهد من الماضي، يتضمن خلاف بين "لوسي" وحبيبها الفقير "چون"، لعدم امتلاكه المال لركن السيارة بجوار مطعم فاخر اختارته "لوسي"، للاحتفال بقصة حُبَّهُما المستمرة خمس سنوات، يشتد الخلاف، وتقرر "لوسي" الانفصال بسبب الفقر. ثم تظهر "صوفى".. عميلة تتعامل مع الشركة المتخصصة بالتوفيق بين الرجال والنساء، التى تعمل فيها "لوسى"، تتعرض "صوفى" للاعتداء من قِبَل عميل اختارته لها "لوسي"، تُوجِّه "صوفي" الشتائم ل"لوسى" وترفع قضية على الشركة، تجتهد "لوسي" لحل المشكلة، وبالفعل يحدث صُلح بين "لوسي" و"صوفى"، وتشعُر "صوفى" أن "لوسي" أصبحت صديقتها وفرد من العائلة، ولجأت إليها عندما واجهت مشكلة، وبالفعل قامت "لوسى" بحل المشكلة بذكائها المعهود. وتظل "لوسي" على تواصل مع "صوفى"، حتى تجد "صوفى" رجل صالح وترتبط به وتستقر حياتها.. هذه المَشاهِد تُوضِّح الصبر الذى تتحلى به "لوسي"، وضبط النفس والثبات الانفعالي، والذكاء في التعامل مع المشاكل، حتى تصل إلى الحل المناسب. "كريس إيڤانز" أو "چون".. يُجسِّد فى الفيلم فرط الإحساس.. والشغف والود الإنسانى الحقيقي.. نرى أن "لوسى" عندما تواجه مشكلة، تلجأ لصديقها الفقير، وليس حبيبها الغني، تختار "چون" الفقير عندما تشتكى، وعندما ترغب فى البكاء.. رغم انفصالهما عاطفيًا منذ فترة طويلة.. تختار "چون" لأنها تشعر معه بالأمان.. لا تخاف من أحكامه.. ولا من ردود أفعاله على كلامها.. لأنه مصدر أمان حقيقي لها. فى مشهد.. يقول "چون" ل"لوسي": "حين أرى وجهكِ، أرى التجاعيد والشيب، وأطفالًا يشبهونكِ.. لا أستطيع أن أتوقف عن حُبِّك".. ما يعنى أن الحب فى هذه العلاقة سهل.. سهل أن يُعبِّر "چون" عن حُبه، وسهل وصول طاقة الحب هذه ل"لوسى" بكل بساطة.. لكن يقول "چون" فى هذا المشهد: "لا أستطيع أن أمنحكِ الحياة التى تريدينها، مرّت أعوام على انفصالنا، ومازلتُ لا أستطيع أن أكون معكِ!!". فى مشهد آخر.. يقول "چون" الفقير ل"لوسي" أجمل ما قيل فى الحب.. قال لها: "أحبكِ الآن، كما أحببتكِ فى الماضي، وسأُحِبُّكِ حتى آخر يوم فى عمرى، سأُذَكِّر نفسي يوميًا أننى أُحِبُّكِ.. هذا وعد يدوم مدى الحياة.. ولن أنساه حتى فى أسوأ الأوقات.. لا أملُك ما أُقدّمه لكِ أكثر من هذا الوعد الأبدي.. سأعمل خلال النهار والليل، لتوفير لكِ الحياة التى تستحقينها.. ترُد عليه "لوسي" بكلمة واحدة!! و هى.. اتفقنا. تُقدِّم مَشَاهِد "چون" دروس خصوصية للشباب والرجال، عن كيفية خطف قلب المرأة، كأنه ساحر، خطف قلبها وعقلها بالكلام، وبالتأكيد وعود صادقة من القلب بالحب والإخلاص للأبد، وما يخرُج من القلب يصل للقلب مُباشرةً. فى نهاية الفيلم تختار "لوسى" صديقها الفقير "چون" لترتبط به.. وتفكر فى الاستقالة من العمل الذى يؤثر على سلامها النفسي.. لترتبط ب"چون" الذى وجدت معه الأمان.. ثم المفاجأة أن مديرتها تعرِض عليها ترقية، أن تصبح المديرة فى مكتب نيويورك، لأن المديرة الحالية حصلت على ترقية أيضًا وستذهب إلى مكان آخر.. كأن الحياة تكافأهُما مقابل كفاحهما، بهذه الزيادة الكبيرة فى راتبها، بما يضمن لهما حياة أفضل معًا. مؤلفة الفيلم الكاتبة والمخرجة الكورية المحترفة المتألقة "سيلين سونج"، التى تبلغ من العمر 36 عام فقط، تُوَضِّح من خلال الفيلم وفقًا لخبراتها فى الحياة وخبرات المقربين إليها والتجارب الحياتية للمحيطين، أن المرأة تحتاج الأمان، تحتاج الوَنَس السَنَد الداعِم وقت المشاكل، للتغلب على المصاعب معًا.. تُقدِّم المؤلفة نصيحة للفتيات والسيدات، أن المال الكثير لن يُشعِرَكِ بالسعادة، في نفس الوقت قدَّمَت بطل وبطلة مجتهدين فى العمل، يستطيعون توفير ما يضمن لهما الستر.. فقر مُقترِن بسعي واجتهاد.. وهكذا تستمر الحياة. تستهدف الكاتبة من خلال هذا الفيلم أن نعيش فى عالم أفضل، لا يعتمد على الماديات، بل يعتمد على وجود الإنسانية من خلال الرضا والاستمتاع بالحياة البسيطة العادية التى يملؤها الحب والأمان والاحترام والإخلاص.. لذلك اهتمت مؤلفة الفيلم بتوزيعه فى مختلف دول العالم، لأن الجمهور المستهدف هو الإنسان بشكل عام، وبالفعل يُحقّق الفيلم إيرادات ضخمة فى مختلف دول العالم منذ طرحه فى السينمات بداية الصيف الحالى وحتى الآن، وإن شاهدته مرة عزيزي القارئ، سترغب فى مشاهدته مرة أخرى. الرسالة المُقدَّمة للجمهور المستهدف من خلال الفيلم، عُشاق السينما الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرينات والخمسينات، هى أن الحُب انتصر على المال فى العصر الحديث، عصر يستهدف فيه كثيرون جمع المال الكثير، وامتلاك كل ما هو غالى الثمن، عصر يبحث فيه كثيرون عن الثراء السريع، بطمع وجهل، لذلك يؤكد الفيلم أن العلاقات المبنية على الماديات سهل هدمها، وفى المقابل، العلاقات المبنية على الحب صعب هدمها. يؤكد الفيلم أنه ليس غرورًا عندما تعرفين قيمتكِ.. والإنسان بشكل عام، رجل أو امرأة، نستحق الحب غير المشروط مدى الحياة.. الفيلم يُوضِّح أن الحب والأمان أهم من المال، وعندما تختار المرأة، ستختار الحب الحقيقي، وليس المال!.