على مدى ما يقرب من مائة عام، قدمت جماعة الإخوان نفسها على أنها جماعة دعوية، أو ما يطلق عليه البسطاء لفظ: "بتوع ربنا"، إنما الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فهذه الجماعة صاحبة مشروع سياسى بالدرجة الأولى وما الدين إلا ستار خادع لتحقيق هذا المشروع. منذ تأسيسها عام 1928، لم تكن جماعة الإخوان مجرد حركة دعوية كما ادعت، بل كانت كيانًا سياسيًا له مشروع سلطوى، يضع مصالح الجماعة فوق مصالح الوطن، ويعتبر كل وسيلة مشروعة - حتى لو كانت خيانة للوطن أو تحالفًا مع أعدائه - طالما تقرّبهم من السلطة. هذه "الشرعية المزعومة" للخيانة تجلّت عبر وقائع متكررة على مدار تاريخهم، من حسن البنا، حتى العام الأسود الذى وصلوا فيه إلى سدة الحكم فى مصر. كان حسن البنا مؤسس الجماعة واضحا فى تحديد مفهومه للإسلام قائلاً: "الإسلام عبادة وقيادة، ودين ودولة، وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، ومصحف وسيف لا ينفك أحدهما عن الآخر". هذا التعريف جعل الإسلام - فى نظر الجماعة - غطاءً سياسياً للتمكين، وأداة لإلغاء الأحزاب الوطنية -وربما الفكرة الوطنية من الأساس- باعتبارها عائقًا أمام مشروع "دولة الإخوان". من هنا لم تعد الخيانة خروجا على الدين أو الوطن، بل أصبحت وسيلة مباحة من أجل "تمكين الجماعة" وكوادرها من السلطة. يروى الإمام محمد متولى الشعراوى، أنه التقى حسن البنا عام 1937، وألقى قصيدة يمدح فيها سعد زغلول ومصطفى النحاس، فغضب البنا قائلاً: "هو أعدى أعدائنا، لأنه يملك ركيزة شعبية، أما الآخرون فنستطيع أن نبصق عليهم جميعًا". هذه الواقعة تكشف أن الإخوان لم يروا فى زعماء الأمة رموزًا وطنية، بل خصوماً يجب إسقاطهم لأنهم يحولون بينهم وبين السلطة، وهو ما يفسر عداءهم لفكرة "الحزبية" التى ترسخت منذ ثورة 1919. هناك محطات أساسية، تمثل صورا حقيقية لمشروعية الخيانة عند الإخوان، ففى مذكرات الدكتور محمود عساف، مؤسس جهاز المعلومات بالإخوان، يكشف أن حسن البنا كان يسمح لأعضاء الجماعة المتعاونين مع البوليس السياسى بتسريب أخبار "صحيحة" عن الإخوان، مقابل أن يتقاضوا أجورهم من الحكومة! أى أن المرشد شرعن التجسس والعمالة، بشرط أن يكون وفق تعليماته. وأذكر أن القيادى الوفدى الدكتور محمود أباظة الرئيس الأسبق لحزب الوفد روى لى أن تحالف الإخوان مع الأحزاب لم يكن إلا وسيلة لاختراقها ثم تدميرها من الداخل، فقد انهار حزب العمل الاشتراكى بعد تحالفه معهم، فيما أدرك فؤاد سراج الدين مبكرًا خطرهم وقال: "هذا الرجل سيدمر حزبه بالتحالف مع الإخوان". فى أبريل 2012، زار وفد من الإخوان واشنطن والتقى بمسئولين أمريكيين، حاملاً رسالة طمأنة: الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل والتعاون مع السياسة الأمريكية. وهو تناقض فجّ مع خطابهم القديم عن "الجهاد ضد اليهود". وأطلق عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، مبادرة بعودة اليهود المصريين من إسرائيل واسترداد أملاكهم، معتبرًا أن ذلك قد يفتح الباب لعودة الفلسطينيين! المبادرة كانت بالون اختبار لمغازلة الغرب، ومقدمة لمشروع "التهجير"، الذى بدأ تنفيذه منذ هذه اللحظة. جماعة الإخوان أقامت مشروعها على قاعدة أن "الجماعة هى الأصل والوطن فرع"، ولهذا فقد بررت التجسس على الأحزاب، والتحالف مع المحتل البريطانى أو الإدارة الأمريكية أو الشيطان إذا لزم الأمر، مغازلة إسرائيل واليهود، الانقلاب على شركاء السياسة بعد أن يستخدموهم. كل ذلك لم يُعتبر عندهم ليس مجرد "خيانة"، بل "خيانة مشروعة" فى سبيل التمكين. تاريخ جماعة الإخوان، يكشف أن الخيانة ليست استثناءً فى منهجهم، بل أصل من أصول عملهم السياسى، على مدى قرن من الزمان ظلت الجماعة ترى فى كل تحالف خارجى، وكل تجسس داخلى، وكل غدر بحليف، خطوة مشروعة إذا كانت تقرّبها من السلطة. وهكذا تحولت الخيانة إلى "شرعية" فى فقه الجماعة، بينما بقى الوطن -فى نظرهم- مجرد ورقة تفاوض على مائدة الآخرين. وفى النهاية يبقى وعى الشعب المصرى الذى أدرك زيف هذا المشروع ..