الصهاينة لا يقرأون التاريخ جيدا، ولا ينظرون في مرآته.. غواية القوة وفترات التشتت والضياع العربي تغري قادة الكيان فيندفعون إلى تأليف الكتب، وإطلاق التصريحات التي لا تنطق كلماتها وسطورها وصفحاتها إلا بكل غرور واستعلاء وحقد وكراهية وتحريض على العنف والقتل والدم، وبالدعوة إلى الحرب والسيطرة واحتلال الأراضي وتشريد الشعوب. غرور القوة له حدود ولا يمكن أن يدوم طويلا، والأحلام التي تتعلق بالأوهام تزول سريعا. نتنياهو رئيس الورزاء الإسرائيلي الذي يقود اليمين الإسرائيلي المتطرف يعيد إنتاج المقولة الوهمية ذاتها والمصطلح الذي استخدمه قادته السابقون عقب حرب 67 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة والجولان وشبه جزيرة سيناء .. "اسرائيل الكبرى" وهو الحلم الصهيوني الذي أعاد ترديده مرة أخرى نتنياهو منذ أيام في لقاء تلفزيوني، قائلا بأنه في"مهمة تاريخية وروحية"، وأنه متمسك "جداً" برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية، "وربما أيضاً مناطق من الأردن ومصر وسوريا والسعودية ولبنان". أي أنه في "مهمة تاريخية" لتحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى"، حسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل التي نشرت تفاصيل اللقاء. تصريحات نتيناهو تتزامن والجهود العربية والدولية التي تسعى إلى وقف إطلاق النار، ووقف نزيف الدماء والمجازر الإسرائيلية، وحرب الإبادة والتهجير القسري ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكأنها رسالة من رجل حرب لا يأبه بأصوات السلام والحوار، ولا تعنيه الضغوط التي تمارسها أطراف غربية، طالما أنه يحتمي بالمظلة الأمريكية التي تمنحه كل الدعم والمساندة والقوة في القتل والتدمير والتشريد، وإشعال نيران الحروب في المنطقة، وتدفعه إلى استعادة تصريحات رجال الحروب القدامى للكيان الصهيوني في تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات". فإسرائيل بزعامة اليمين المتطرف قامت بالعدوان السافر على لبنان، وانتهزت فرصة الفوضى في سوريا، ودمرت الجيش السوري، واحتلال أراض سورية جديدة، حتى أصبحت على بعد كيلومترات من العاصمة دمشق، وهاجمت إيران طوال 12 يوما، وأغارت على اليمن، ومازالت تدمر قطاع غزة وتقتل سكانه، وتخطط إلى تهجير باقي سكان القطاع. ما يقوم به نتنياهو ليس جديدا عليه، فالحرب والتدمير والتشريد والحقد والكراهية ليست سوى تطبيق لأفكاره التي نشرها في كتاب صدر باللغة العبرية عام 1993، ثم صدر بالعربية عام 96 تقريبا بعنوان: "مكان بين الأمم.. إسرائيل والعالم". الكتاب يقع في 420 صفحة من القطع المتوسط، وعندما تقرأه تجد نفسك أمام رجل من طراز المحاربين القدماء، أمثال هولاكو وجنكيز خان في أوج غرورهم وصلفهم واستعلائهم، فنتنياهو ينكر الآخر ويستخف به ويتباهى بل وينجح بخلطه بين الخرافات الأسطورية لدى الجيل الأول من الصهاينة وبين استهتاره بكل ما لدى الجنس البشري، غير اليهودي، من حقوق أساسية لا يمكن أن يعيش إنسان بدونها. شخص عنصري يكره العرب – وربما غير العرب – بلغة هي أقرب للنازية منها لأي لغة أخرى. الكتاب يعتبر خير مثال على الفكر اليميني الصهيوني المتطرف بما يحتويه من كراهية، وحقد، ودعوة للعنف، والقتل، والإرهاب، وكذلك الرغبة في التوسع إذ يجسد فكر حزب الليكود في أبهى تجلياته والذي يعتمد على مقولة (جابوتينسكي) :"الأردن بضفتين كلتاهما لنا". يستهل نتنياهو كتابه بالحديث عن المحرقة اليهودية (الهولوكوست) والتي نفذها النازيون الألمان ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وكأنه يجعل منها ذريعة للجرم الذي ارتكبته الحركة الصهيونية باغتصاب أرض شعب، وقتله، وتشريده، وقمعه، وحصاره، وممارسة أقذر أصناف العنصرية ضده، وكأنه بهذا يبتز العالم للتغاضي عن هذه الجريمة النكراء. وفي هذا السياق يشير إلى عظمة العنصر البشري اليهودي والذي نهض من بين الأنقاض ليصنع مستقبله وليزاحم العالم لإيجاد مكان له بين الأمم العظيمة. أما فيما يتعلق بالمأزق التاريخي والمتمثل في اغتصاب أرض من شعبها لإنشاء وطن قومي لليهود، فيستدعي بنيامين نتنياهو الخرافة إلى جانب القصص الدينية المدسوسة على التوراة والإنجيل، وكذلك التاريخ غير الموثوق، ويخلط كل هذه الأوراق ليثبت أن اليهود امتلكوا هذه الأرض في حقبة من الزمن، وأنها الأرض الموعودة التي وهبها لهم الرب حين صعد موسى على جبل نون.. وقال له الرب: هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم، وإسحق، ويعقوب قائلًا لنسلك أعطيها". ويذهب أبعد من هذا في تحريض الغرب على قبول الادعاء الصهيوني دون تفنيد أو تمحيص، فيدعي أن إسرائيل جزء من الغرب المتحضر، وإن وجدت داخل الشرق المتخلف، وأن الصراع بين إسرائيل والعرب هو صراع في حقيقته بين الفكر الغربي المتحضر المتمدن الذي تمثله إسرائيل، والفكر الشرقي المتخلف الذي يكره الغرب و الذي تجسده الدول العربية ولذلك يسعى للقضاء عليها. وهو يقدم هذه الأفكار في سياق معالجته الإيديولوجية والتاريخية للعديد من الجوانب المرتبطة بالصراع العربي – الإسرائيلي، ويعيد نتنياهو بلورة نظريته العنصرية إزاء العرب بالمجمل، باعتبارهم أمة لا نفع منها، ولا يمكن أن تستقيم في نهج الحضارة إلا من خلال سياسات القوة، وأنه لا يمكن الوثوق بهم، فهم في رأيه متلونون، يبدلون آراءهم ومواقفهم بسرعة عجيبة، وأن قادتهم السياسيين يتخذون من القضية الفلسطينية فزاعة لتحقيق أهدافهم الشخصية في القضاء على معارضيهم والتشبث بكرسي الحكم. وفي هذا الجزء من كتابه يتطرق نتنياهو إلى تفاصيل دقيقة وطويلة عن معظم الدول العربية ليثبت أن الدماء العربية التي سفكت بسبب مطامع شخصية ضمن الصراع على الحكم أو بين الدول العربية بعضها بعضا أغزر بكثير من الدماء التي سفكت في الصراع بين العرب وإسرائيل. وعليه يقدم نتنياهو إسرائيل كرأس حربة في الدفاع عن الغرب ما يستوجب وفقا لهذا -كما يدعي- أن تلقى كل الدعم منه في حربها ضد العرب الأشرار المتخلفين والعدوانيين والدكتاتوريين، وذلك لتتمكن من الدفاع عن نفسها بقوة الردع "قوة الردع المعتمدة على قوة الحسم" هذا المصطلح الذي يشرحه باستعراض تجربة عملية لسمكة صغيرة تمثل إسرائيل وأخرى كبيرة مفترسة تمثل العالم العربي وضعتا معا في حوض واحد يفصل بينهما جدار زجاجي غير مرئي، وكلما حاولت السمكة الكبيرة مهاجمة السمكة الصغيرة يرتطم وجهها بالجدار الزجاجي وتتهشم أسنانها وكلما كررت السمكة الكبيرة مهاجمة السمكة الصغيرة وصلت إلى نفس النتيجة، وفي النهاية تضطر السمكة الكبيرة أن تكف عن المحاولة وأن تعيش إلى جوار السمكة الصغيرة بسلام. واستكمالا لهذه الرؤية لا يعترف نتنياهو بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني التي تتعارض مع مصلحة "الدولة اليهودية" واشتراطاتها، وفي مقدمتها ضمان أمن إسرائيل وحمايتها من أي اعتداء محتمل. وعليه يرفض الكاتب في طرحه فكرة التخلي عن الضفة الغربية وهضبة الجولان، باعتبارها مسألة تتعارض مع الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل، إضافة لاعتماد هذه الأخيرة على هاتين المنطقتين في البعد المائي الضامن لاستمرارية تزويد الكيان بالماء النقي. واستكمالا للواقع المستقبلي الذي يسمح لإسرائيل أن تأخذ مكانا بارزا تحت شمس المنطقة، أكد الكتاب في أكثر من مكان على أهمية التطبيع مع الدول العربية، وتحديدا الدول النفطية. يستشعر القارئ للكتاب، حجم القلق الذي يسكن عقل المؤلف مما يعتبره الخطر الحقيقي الذي يهدد وجود إسرائيل ممثلا بالجمهورية الإيرانية، ففي أكثر من موضع يستحضر نتنياهو المخاوف من امتلاك إيران السلاح النووي، خصوصا في ظل حكم إسلامي راديكالي، وهي حالة من شأنها إذا اكتملت بنجاح أن تحدث تغييرا عميقا في موازين القوى بالمنطقة لصالح طهران، وهذا التغيير قد يتطور ويأخذ في التصاعد وصولا إلى حرب إقليمية. ولمواجهة هذا التهديد فإنه يحث في كتابه الدول العربية والولايات المتحدةالأمريكية إلى اعتماد سياسة الحصار والمقاطعة، وصولا لإجراء تغيير هيكلي في الجمهورية الإسلامية. ما جاء في الكتاب يعد " خارطة طريق" سار على خطوطها نتنياهو خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتحقيق وهم "إسرائيل الكبرى" ورسالة واضحة للذين يستبعدون خيارات الاستعداد للحرب والمواجهه الحتمية. كأن التاريخ يعيد نفسه ويعود عصر الظلام على العرب والمسلمين في زمن التتار والمغول الذين حطموا كل من وقف في طريق زحفهم للسيطرة على العالم ودمروا الحواضر الإسلامية ونزعوا الملك من الخلافة العباسية التي كانت تئن من الوهن والضعف والتمزق والتشرذم – وما أشبه الليلة بالبارحة. كان التتار- كما الصهاينة- مدركين لحال المسلمين، لذلك أمعنوا بالتنكيل والاضطهاد لهم. وتقول الروايات التاريخية إن تقدم التتار إلى بغداد استمر وحاصروها واصطدموا بالجيش العباسي الضعيف الهش، الذي انكسر واندحر سريعاً نتيجة الطرق والأساليب القتالية التي استخدمها المغول في القتال، كإغراق شرق بغداد بالمياه، والفنون القتالية المختلفة التي لم يعرفها العباسيون من قبل، وكان المغول يحاولون إشاعة إعطاء الأمان للناس، فيجعلونهم يستسلمون، عندها يمعنون بهم القتل والتنكيل، مما أدى إلى اندحار الجيش بسهولة. قاد التتار المغولي جنكيز خان الذي كان سفاحًا سفاكًا للدماء على نحو وحشي لا ينازعه في الوحشية أحد على مدى التاريخ كما يقول المؤرخون، لكن سرعان ما توسعت هذه الدولة وانتشرت كالنارِ في الهشيم، فتمددت دولة التتار في غضون سنة واحدة عام 1220 ميلادية حتى بلغت حدودها كوريا شرقاً إلى حدود الدولة الخوارزمية (آسيا الوسطى وغرب إيران) غرباً، ومن سهول سيبيريا شمالًا إلى بحر الصين جنوباً، ثم بدأت بالتوسع غربًا فأوسعت البلاد قتلًا وتخريبًا ودمارًا على نحو بشع ومرعب لدرجة أن الناس ظنت أنها قيام الساعة كما ورد في كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير إذ قال: " فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا." مثل الصهاينة تماما لم يلتزم بأية مواثيق أخلاقية غير أنهم بشر وليسوا ببشر فهم أناس بلا قلوب، فكان القتل والتخريب والهمجية منهاجهم الوحيد في حروبهم، فكان يسهل عليهم دخول مدينة من المدن فيدمرونها بأكملها، ويقتلون سكانها بالكامل من دون التفرقة بين رجل وامرأة، ولا بين صغير وكبير، ولا بين مدني وعسكري، فلم يقصدوا سوى الإبادة الجماعية، وكانوا يتسمون بطبيعة دموية يفوقون بها الحيوانات الشرسة، وكأن غايتهم التخريب والتدمير وليس إتيان المُلك والمال. فقد وسعوا العالم سفكًا للدماء ونهبًا للأموال بلا رحمة وبقلوبٍ كالحجارة بل هي أشد قسوة. اجتاح هولاكو قائد التتار بغداد عام 1251 م) واستباحها حتى سقطت فقتل جيوش التتار الكثير من علماء المسلمين بطريقة وحشية مفجعة فكان يُمدَّد الرجل على الأرض فيُذبح كالشاة أمام أولاده ونسائه ثم يقتلون النساء والأطفال والرضع، فوصل عدد القتلى في بغداد إلى مليون مسلم. وأصدر هولاكو بعد كل هذه المجازر أمرًا بإيقاف القتل لا لشيء سوى الخوف من حدوث وباء من أثر تعفن التلال من الجثث فيودي بالجميع. دمرالتتار مكتبة بغداد – منارة العلم وقتها- فحملوا آلاف الكتب من المكتبة وألقوها في نهر دجلة حتى صار لون مياهه أسود من حبر الكتب، فكان الفارس التتري يعبر فوق الكتب من الضفة إلى الضفة. وبعدما سقطت بغداد اتجه التتار صوب الشام وحاصروا احدى المدن الواقعة بين نهري دجلة والفرات، واستباحوها تمامًا فقتلوا سكانها جميعًا فيما عدا أمير البلاد الكامل محمد الأيوبي الذي لم يخضع لقوتهم أو يستسلم بل كان يحث الناس على الجهاد ومقاومة التتار، فاعتقلوه وذهبوا به إلى قائدهم هولاكو الذي استحضر أعلى درجات الوحشية وتفنن فيها عندما صلبه ثم أخذ يقطع أطرافه وهو حي بل وأجبره أن يأكل من لحمه. ثم اجتاحوا حلب ودمشق. كاد حلم التتار في السيطرة على آسيا والشرق ثم التمدد نحو الغرب أن يتحقق فقد جاء الدور على مصر فكانت المعركة الفاصلة التي لولاها " لانتهى الاسلام من الشرق كله"- كما ذكر بعض المستشرقين في الغرب- قبل المعركة تبادل هولاكو والمظفر سيف الدين قطز المراسلات التي يذكرها المقريزي في كتابه " السلوك" بلغة تهديد وغرور غير مسبوق قال هولاكو:"من ملك الملوك شرقًا وغربًا القان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء يعلم الملك المظفر قطز، الذى هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله فى أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن اشتكى، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأى أرض تأويكم، وأى طريق تنجيكم، وأى بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ومطركم علينا لايُسمع فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان" ويرد قطز وجاء رد قطز: "قل: اللهم على كل شىء قدير والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبى الأمى، على كتاب ورد فجرا عن الحضرة الخاقانية، والسدة السلطانية نصر الله أسدّها، وجعل الصحيح مقبولا عندها، وبان أنكم مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حلّ عليه غضبه، ولا ترقون لشاكٍ، ولا ترحمون عبرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، وذلك من أكبر عيوبكم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفى بهذه الشهادة لكم واعظا، وبما وصفتم به أنفسكم ناهيا وآمرا، قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ففى كل كتاب لعنتم، وبكل قبيح وصفتم، وعلى لسان كل رسول ذكرتم، وعندنا خبركم من حيث خلقتم وأنتم الكفرة كما زعمتم ألا لعنة الله على الكافرين، وقلتم أننا أظهرنا الفساد، ولا عَز من أنصار فرعون من تمسك بالفروع ولا يبالى بالأصول، ونحن المؤمنون حقا لا يداخلنا عيب، ولا يصدنا غيب، القرآن علينا نزل وهو رحيم بنا لم يزل، تحققنا تنزيله وعرفنا تأويله، إنما النار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت. ومن أعجب العجب تهديد الليوث بالرتوت، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع، خيولنا برقية، وسهامنا يمانية، وسيوفنا مضرية، وأكتافها شديدة المضارب، ووصفها فى المشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وأفراسنا لواحق إذا طلبت، سيوفنا قواطع إذا ضربت، وليوثنا سواحق إذا نزلت، جلودنا دروعنا وجواشننا صدورنا، لا يصدع قلوبنا شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وان قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعه، قلتم قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون، الفرار من الدنايا لا من المنايا، فهجوم المنية عندنا غاية الأمنية، إن عشنا فسعيدا، وإن متنا فشهيدا، ألا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المِؤمنين وخليفة رسول رب العالمين تطلبون منا الطاعة؟ لا سمعا لكم ولا طاعة، تطلبون أنا نسلم إليكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء ويدخل علينا منكم الخطاء." وجاء موعد المعركة الفاصلة في التاريخ الاسلامي فوق أرض فلسطين في موقعة عين جالوت عام 1260 وانتصر قطز سلطان مصر وتحطمت على جدران المحروسة الصلبة أوهام التتار وانتصرت مصر لأمتها بفضل وحدتها وصلابتها. التاريخ القريب أيضا لا يكذب، فقد توهم قادة اسرائيل بعد حرب يونيو 67 بأن حلم اسرائيل الكبرى قد أوشك على التحقق فانتفض المصريون كالمارد الغاضب وحطموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر وعبروا المانع المائي واستولوا على خط بارليف وأعادوا جنود العدو المتغطرس "بالبيجامات الكستور". وانهار الوهم الصهيوني في 6 ساعات..! فليكتب نتنياهو وليحلم ويتوهم كيفما يشاء فالتاريخ لا يكذب وعليه أن يقرأه جيدا ويحدق في مرآته حتى يعتدل في تصريحاته ويستعيد وعيه الغائب ويدرك أن هناك رجالا على أهبة الاستعداد لتحقيق النصر من جديد الآن أو غدا أو بعد غدا.