إدراك المواطن بحدود أرضه، وما تحمله من موارد، وطبيعة جغرافيته، وغوْر فهمه بمصدر فخره؛ حيث حضارته المتجذّرة، وامتلاكه لتراثه الثقافيّ، وشعوره بالأمان بين أبناء مجتمعه، والانتماء لوطن يضحِّي من أجله، والولاء لرموزه حبًّا، وتقديرًا، واحترام دستوره، وما به من قوانين منظَّمة، كل ذلك مجتمعًا يشير إلى صورة الوطن، الذي يسكن في القلوب، مهما بعُدت عنه الجسد، وحال النظر عن رؤياه في وقت من الزمان. ما ذكر من إطار جامع يحتاج إلى جهود متكاملة؛ كي نغرس مفاهيمَ نوعيّة في أذهان فلذات الأكباد منذ المهد؛ لتحدث التنشئة، التي تعزّز فكرة بناء المواطن الصالح؛ لأن هذه المهمة ليست بالأمر الهيِّن، أو البسيط؛ فنحن نعيش في خضمِّ طوفان من التغير المفاهيميّ، الذي قد خلَّف وعيًا مشوبًا لدى شباب لم يجد ساحة الاهتمام، والرِّعاية؛ فنساق وراء بحور الماديّة، مهاجرًا عن معنويّات، تشكِّل الفلسفة الرئيسة لبناء الأوطان، والحفاظ عليها، والزوْد عن مقدراتها. دون مواربة يقوم بناء المواطن الصالح على شراكة صادقة حقيقية واقعية، بين العديد من المؤسسات بالمجتمع؛ حيث البداية من أسرة تعي مسئولياتها، وتحاول بكل مقوّماتها أن تغْرس قيمًا نبيلة، وتعزّز سلوكيات صحيحة، وتقوّم من ممارسات غير صائبة، وتعضّد المحبة، والألفة في مناخها؛ كي تسْتقطب أفرادها نحو رؤى جامعة، تقوم على الوفاء، والرباط، وحسن الخلق؛ ومن ثم ينطلق الفرد منها إلى ساحات المجتمع، آمنًا، مطمئنًا، متسلِّحًا بخلق حميد. في هذا الإطار تستكمل جهود بناء المواطن الصالح، عبر بوابة المؤسسة التعليمية، التي تقدم مُتلّون الأنشطة الداعمة لمنظومة النَّسق القيميّ؛ ليتجرع الفرد معارف تحثُّه على تحرِّى المصداقية، والإتقان فيما يُوكل إليه من مهام، وتعزّز لديه المقدرة على تكرار المحاولة؛ كي تكتسب الخبرات المربّية بصورة متدرجة، ومتسلسلة، ومتكاملة؛ ومن ثم تدفعه إلى مزيد من حُبِّ الاستطلاع؛ ليصبح قادرًا على تحمل مسئولية استكمال مساره؛ بغْية تحقيق غاياته المنشودة. الأمر يمتد إلى مؤسسات تخاطب العقل، وتحاول وفق منهجها أن تُغذّي الوجدان بصحيح الفكر، ووسطيّة المعتقد؛ إنها المؤسسات الدينية، التي تؤكد على مسلّمات بناء الأوطان؛ حيث الأمانة، والإخلاص، والتكاتف، والتلاحم، والتراحم، وسائر المعاني الراقية، التي تزيد من التماسك، والتكافل؛ ومن ثم تقوّى الروابط بين المجتمع، وتزيل أسباب الفُرْقة، والعصبيّة، وتمتد أواصر التعارف، وتتنامي أطر الشَّراكة، وصور التعاون؛ من أجل نهضة أركان الوطن. هنا لا تنتهي مسيرة بناء المواطن؛ حيث تتضافر المؤسسات المجتمعيَّة، التي تتجمع في ساحتها كثير من أفراد المجتمع؛ لتمارس أنشطة مختلفة، تفي بالاحتياجات الجسديَّة، والروحيَّة، وتحثُّ على ماهية التعارف، وتكوين العلاقات السَّويّة بين أفراد المجتمع؛ لتنطلق الآراء، والأفكار نحو تعزيز مسيرة البناء؛ فتساعد من يصنع القرار، ويتخذه، وتنير له الطريق؛ فيقتبس من ضيائها ما يسهم في ازدهار هذا الوطن، ويساعد في تقدمه ورقيّه على الدوام. نحن في أمس الحاجة إلى بناء المواطن الصالح؛ وذلك من أجل خلْق مناخ، يقوم على تعزيز المسئولية، والمساءلة، وبناء جسور الثقة بين الفرد، ومؤسساته دون استثناء؛ كي يستشعر ضرورة التعاون، والشَّراكة في تحقيق مرامي الوطن الكبير؛ حيث ينتقى ممارساته، وأداءاته؛ لتصبح بمثابة لبنَات للبناء، ويقدم نتاجه الخاص، وفق معايير الجودة، التي تقوم على الإتقان، وبذل أقصى ما في الجهد، وهنا يتوجب أن نفتح مجالًا للتنافسية، التي تقوم على تكافؤ الفرص، ونغلق أبواب المحسوبية، التي تكرّس اللامبالاة، والأحقاد، والأغلال في النفوس دون مواربة. نتفق سويًّا على أن مهمة بناء المواطن الصالح، تُعدُّ صمام أمان الأوطان؛ فبه تُستكمل مسارات النهضة، وبساعده تعلو البنيان، وبفكره الراقي، يتغلب على ما يُستحدث من تحديات، وبعقيدته الوسطيّة يعيش في بيئة مُفٓعمة بالرضا، والتسامح، وبرؤيته للمستقبل يرسم سيناريوهات تحمل في طياتها آفاقًا للخير، ومزيدًا من الإعمار؛ ومن ثم يصبح الإنسان وفق هذا الوصف الدقيق قادرًا على العطاء المستدام، بل، يحقق فلْسفة الاسْتخلاف التي خُلقَ من أجلها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.