في الأول من يوليو، هطلت أمطار غزيرة على القاهرة والدلتا، فى مشهد نادر الحدوث بهذا الشكل فى هذه الفترة التى تشهد طقسا شديد الحرارة فى كل عام، لم يكن هذا الحدث مجرد تقلب جوى عابر، بل كان رسالة واضحة من السماء، وجرس إنذار قويا، يدعونا جميعاً، حكومة وشعباً، إلى وقفة جادة والتفكير فى واقع المناخ المتغير الذى بات يطرق أبوابنا بقوة لا يمكن تجاهلها. لسنوات طويلة، ظننا أن أنماط طقسنا مستقرة نسبياً، وأن الأمطار الصيفية الغزيرة لا تخص إلا مناطق معينة جنوب البلاد، لكن ما حدث فى يوليو كسر هذه القاعدة، مذكراً إيانا بأن التغير المناخى ليس مجرد مصطلح علمى أو قضية عالمية بعيدة، بل أصبح حقيقة ملموسة تعيد تشكيل خرائط طقسنا وحياتنا. الخبراء يؤكدون أن هذه الظواهر، وإن كانت نادرة الحدوث فى السابق، إلا أن تكرارها اليوم بات دليلاً لا يقبل الشك على تحولات عميقة فى الأنماط الجوية العالمية والمحلية، هى ليست المرة الأولى، لكنها الأقوى والأكثر إلحاحاً فى دلالتها على أننا نعيش حقبة مناخية جديدة. تداعيات هذا التغير المناخي باتت تلامس كل جانب من جوانب حياتنا، فحينما تهطل الأمطار الغزيرة على مدننا المصممة لأنماط مناخية تقليدية، تبرز التحديات التى تواجه البنية التحتية من شبكات صرف صحى وطرق، وهذا ليس حال مصر وحدها، فمدن كبرى حول العالم تواجه نفس التحدى مع تزايد وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة، الأثر يمتد ليشمل الأمن الغذائي، حيث يعانى المزارع المصرى بالفعل من شح المياه وارتفاع درجات الحرارة، مما يهدد المحاصيل الزراعية ويزيد العبء الاقتصادى، كما أن الصحة العامة ليست بعيدة، مع تزايد مخاطر الإجهاد الحرارى والأمراض المرتبطة بتقلبات الطقس الحادة. ورغم أن مصر لا تسهم إلا بنسبة ضئيلة جداً (أقل من 1%) فى الانبعاثات الحرارية العالمية، إلا أنها تعد من أكثر الدول تأثراً بتغير المناخ، وهذا يضع على عاتق الدولة مسئولية مضاعفة، وقد أدركت الحكومة المصرية ذلك جيداً، فجهودها ليست مجرد رد فعل، بل هى استراتيجية شاملة تبلورت في الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، التى تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة منخفضة الانبعاثات، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وتدعم هذه الاستراتيجية قطاعات حيوية مثل الزراعة، السياحة، الصناعة، والنقل، وتسعى لتعزيز البحث العلمى وتحسين الحوكمة فى ملف المناخ. الاستثمارات فى مشروعات التكيف، مثل حماية السواحل وتطوير إدارة الموارد المائية، وتفعيل برامج مثل "نوفى" لجذب التمويلات الخضراء، كلها خطوات فى الاتجاه الصحيح، كما أن استضافة مصر لمؤتمر COP27 فى شرم الشيخ ، عام 2022، أكدت التزامها الدولى ودورها فى الدعوة لعدالة المناخ وتمويل التكيف. إن أمطار يوليو فى مصر ليست مجرد حالة طقس غريبة، بل هى دعوة صريحة لإعادة تقييم مدى جاهزيتنا لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة، فالتغير المناخي واقع لا يمكن إنكاره، والتحرك الآن أصبح ضرورة حتمية، لذلك يجب على الحكومة أن تتخذ خطوات استباقية ومستمرة لضمان حماية المواطنين والموارد، والعمل الجاد نحو مستقبل أكثر مرونة واستدامة فى ظل مناخ عالمى متغير.