ليس من الحكمة أن تحيا عمرك ناظرًا إلى أوراق غيرك، متطفلًا على تفاصيل لم تُكتب لك، ولا من النبل أن تجعل من حياة الآخرين مسرحًا لهواك، ترصد حركاتهم، وتُفسر سكناتهم، وكأنك خُلفت رقيبًا على قلوب لا تعرفها. كفوا عن التطفل، فكل إنسان يسير في دربه مثقلًا بما يكفيه من وجع وأمل، من أحلام لم تكتمل، ووجوه لم تعد، الناس لا تمشي على الأرض بأجنحة، كلٌّ يحمل نصيبه من السقوط، فدعوه ينهض دون أن تُشيروا إليه بأصابع المراقبة والفضول. ليست الحياة ورقة امتحان جماعية، كلٌ له ورقته، وكلٌ عليه أن يُجيب عنها بطريقته، لماذا تصرون على النظر في أوراق غيركم؟ لماذا هذا الهوس بتصحيح إجابات لا تخصكم؟ لا أحد فوّضكم لتكونوا ممتحنين، ولا الزمن منحكم صلاحية التدخل. أن تتدخل في شؤون غيرك، لا يجعلك أكثر وعيًا، بل أكثر ضيقًا، أن تتحدث عن تفاصيل لا تعنيك، لا يرفعك، بل يُسقطك من مقام الحكمة إلى درك النميمة، فمن قال إن الحياة ستمنحك وقتًا إضافيًا إن أهدرت عمرك في مراقبة الناس؟ احترموا الخصوصيات، فما خفي عنكم، خُبئ لسبب، وما لم يُحكَ لكم، ليس من حقكم أن تروه رواية، دعوا الناس تعيش، تسقط، تنهض، تُحب، تخطئ، تُصيب، دون أن تزرعوا في طريقهم أسلاكًا من الأحكام الجاهزة. الذين يجعلون من أنفسهم محققين في شؤون الغير، غالبًا ما تكون حياتهم خالية من الإنجاز، مليئة بالفراغ، فمن لا يجد شيئًا يملأ به يومه، يملأه بالناس، يتحدث عنهم أكثر مما يتحدث إليهم، يراقبهم أكثر مما يُراجع نفسه. الراحة الحقيقية لا تأتي من تقويم الآخرين، بل من تقويم النفس، لا من ملاحقة الخطى، بل من التركيز على الطريق، لا تُصلح حياة غيرك وأنت غارق في فوضاك، لا تُطفئ أضواء الآخرين لأنك لا ترى نورك. انظر في ورقتك فقط، واجبك أن تتعلم من أخطائك، لا أن تُحصي على الناس أنفاسهم، الحياة ليست كتابًا مفتوحًا للفضوليين، ولا شاشة عرض لأصحاب العيون المزدوجة، كل روحٍ لها ما يكفيها، فلا تزيدوا الأعباء بنظراتكم التي لا تُرحم. دعوا الناس وشأنها، فمن اختار الصمت لا يُجبر على البوح، ومن سار بعيدًا لا يُطلب منه التفسير، اجعلوا من أنفسكم منارة في دربكم، لا شوكة في دروب الآخرين. الحياة قصيرة، فلا تُهدرها في تتبع خطوات لا توصلك إلى شيء، واهتم بما في يدك، ففيه من المعارك ما يكفيك.