يتبادر تساؤل في النفس فحواه: هل هناك من يصنع الأزمات، ويستفيد منها في خضم أجندة خاصة به؟، والإجابة المغلفة بالمنطق، نعم، هناك من يدشن الأزمة، ويخلق المناخ؛ كي تزداد وتيرتها، وتتنامى الآثار الناجمة عنها، بل، يضع من الفرضيات ما يؤدي إلى مراحل التفاقم؛ حيث تستهلك مقومات أوطان، وتضير بمصالح الشعوب، وتهيئ مجالًا للصراعات، التي لا تنتهي، وتسمح بفتح بوابات من النزاعات المسلحة منها، وغير المسلحة؛ كي تدخل الدول في أنفاق مظلمة. ندرك أن الأجندة الخاصة، التي تحمل مآرب غير سوية لدول، أو جماعات بعينها، لا تنظر قطعًا للجانب الإنساني للمجتمعات، بل، تلعب على استغلاله بصورة يرفضها المنطق، والعقل القويم؛ فالعقيدة من مستهدفات من يرغبون في زعزعة الاستقرار المجتمعي، ومن يبيَّتون اغتيال الأمن، والأمان في كافة ربوع الأوطان؛ لذا تُبَثُّ الفتن، التي من شأنها أن تفكك النسيج الوطني، وتهدم الثوابت، التي تربت، وترعرعت في خضمها مجتمعات، قد دشنت حضارات غائرة في غيابات التاريخ. صلابة الشعوب، وقوة عزيمتها، تُعَدُّ من التحديات الجسام، التي تواجهها أصحاب الأجندات؛ ومن ثم تعمل على نشر الشائعات، التي تضير بماهية الوطنية، والدولة القومية، وهذا أضحى في طليعة الاهتمام؛ فالحديث العقدي المشوب ينبري على انتقاء لما يخدم المآرب، ويفتح مجالًا للجدال، بل، ويخدع من لا يمتلك دوائر المعرفة الصحيحة في صورتها المتكاملة؛ فيصبح هدفًا سهلًا، تستطيع جماعات الظلام استقطابه، وتوظيفه بأن يروج إلى المزيد من الأفكار المشوهة، ويسهم في نشر شائعات مغرضة، تستهويها، وتتقبلها قلوب ضعيفة. مهما علا بناء الدولة، وتحقق لديها من إنجاز، وقد سارت سفينتها في طريق النهضة؛ إلا أن الإصرار، والعزيمة على خلق الفوضى في ظل مناخ أزمات متوالية، لا يفارق مخططات الدول الممولة للجماعات، التي تُعَدُّ أداة فاعلة في تنفيذ تلك المخططات، وهنا نوقن أن من يتبنَ مشروعًا ما، يضع من السيناريوهات ما يساعده في بلوغ غاياته، وحينما نرصد توقفه، ندرك أنه ثمَّتْ فلسفة، تقف وراء ذلك، نسميها في عصرنا هذا بالصمت الاستراتيجي؛ لذا لا تأمن جانب هؤلاء، حتى ولو تلاقت المصالح العليا معهم في واحة آمنة. التطرف غير المحمود في قاموس جماعات الظلام، مبرر في مكانه، وزمانه، والاعتدال الفكري ليس من ثوابتها؛ لذا فالمقدرة على التلون من الأمور الرئيسة التي تعتمد عليها، عندما يضيق بها الحال، ولا تجد المناخ المناسب؛ كي تمارس أفعالها المصاغة في أهداف مضمرة، أو معلنة، ناهيك عن الفكر، الذي يعتمد على فلسفة الانتهازية؛ حيث استغلال الموقف، حينما يتاح ذلك؛ فتجد التحالفات، والعهود التي تُبْرمُ مع من كان عدو بالأمس، أو من كانت تعلن شعارات مناوئة ضده، وهنا نتفهم جيدًا ماهية أن الغاية تبرر الوسيلة. أتعجب ممن يروج لفكرة المصالحة، والتصالح، والمهادنة، والهدنة؛ فالذاكرة قد باتت ممتلئة بسطور مؤسفة لمواقف يصعب حصرها، أو حتى الإشارة إليها؛ ومن ثم نؤكد بأن خروجنا من أية أزمة مرهون بدرجة الوعي الصحيح، التي نمتلكها؛ حيث إن إدراك التحدي، والعزيمة في مواجهته، والإرادة الصادقة في تجاوز آثاره، تُعدُّ حلولًا ناجزة؛ فخلق الأزمات بقصد، أو غير قصد، يزيد من تماسك الشعوب، ويقوى من لُحْمتها، ونسيجها؛ إذا ما فقهت صور خلق الفوضى، والمآلات، التي تريد جماعات الظلام أن تصل إليها. خلق الفوضى في ظل مناخ أزمات متوالية، يستهدف هزّ أركان الدولة، وإضعاف الثقة بين منتسبيها، بغض النظر عن المكانة، والمسئولية؛ لذا تجد الخروج عن السياق قد بات أمرًا مستساغًا، وأن الهيبة المؤسسية ليست في بؤرة الاهتمام، وهنا تخشى على تحوّل الاستقرار إلى حالة من الفوضى، التي لا تتوقف عند حد إسقاط الوطن، بل، ضياع حاضره، ومستقبله. راية الوحدة أقوى من آثار مناخ الأزمات المتوالية، بل، تعمل على تدشن البيئة، التي تذوب في مكنونها تلك الأزمات؛ ومن ثم تدْحر صور محاولات النيل من الدولة، ومؤسساتها، وشعبها، وتقوض محاولات اختطاف مكتسبات الأوطان، التي دفعت حيالها أثمان، لا تقدر بمقدار، وفي المقابل أرى أن محاولات الإرباك الفكري، التي تقوم بها كتائب جماعات الظلام، لن تتوقف، ولدى يقين بأن وتيرتها في تزايد مستدام.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. ______ أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر