في مسرح الحياة، حيث تتراقص الأضواء وتتقاطع الظلال، يمضي المتفائل باحثًا عن قبس نور، بينما يجلس المتشائم في زاوية مظلمة، يعكف على عدّ الثقوب في سقف السماء، غير آبه بالنجوم اللامعة. المتشائم لا يخطئ في الرؤية بقدر ما يخطئ في زاوية النظر، إنه لا يرى من الحياة إلا ظلّها، ولا يسمع من أنغامها إلا النشاز، يمر بجانب الزهور فيشتم رائحة الذبول، لا العطر، ويقرأ السطور ليبحث عن الثغرات لا المعاني. وكأن الحياة بالنسبة له مسرحية تراجيدية بلا نهاية، وكل حدث سعيد مؤقت لا يُطمئن، بل يُقلق، ف"ما بعده" دائمًا أسوأ في عقله، هو من يُطفئ الشمعة حتى لا تزعجه فكرة انطفائها، ويغلق النافذة على شمس الصباح، حتى لا يراها وهي تغيب. إن المتشائم لا يكره الحياة بقدر ما يخاف أن يُخذل منها، فاختار أن يُسبق الخيبة بالخوف، والهزيمة بالانكماش، يفضل أن يعيش في منطقة رمادية لا بياض فيها ولا أمل، فقط ظل طويل يمتد من ماضٍ يئن وجراحٍ لم تلتئم. وهنا، تكمن الخطورة، أن تُصبح زاويتك من الحياة حادة لدرجة تجرح بها كل لون، فتُكذب الأمل، وتُسجن الفرح في قفص "لكن"، وتوأد كل احتمالات الغد في مقبرة التشكيك. الحياة، مهما أثقلت كاهلنا، لا تزال مزيجًا من نور وظلال، لكن المتشائم اختار أن يشيح بنظره عن النور، متعلّقًا بالظل كمن يُطارد سرابًا، لا يرى في ولادة طفل سوى احتمال مرضه، ولا في فرصة جديدة إلا خيبة جديدة مؤجلة. وهذا التشاؤم ليس فقط شعورًا، بل عدوى، قد تنتقل بالاحتكاك، وتسرق البهجة من قلب كان يزهر، لذلك، فإن أخطر ما في التشاؤم أنه لا يكتفي بالبقاء في صاحبه، بل يسعى إلى تطويق من حوله بسحب رمادية ثقيلة. فليكن الحذر من أن نغرق في ظلال المتشائمين، وأن نخلط الحكمة بالحذر الزائد، أو الواقعية بالتشاؤم المُقنّع، فالحياة، وإن لم تكن مثالية، إلا أنها تستحق أن نراها كاملة، بظلها ونورها، بحزنها وفرحها، بخيباتها وعودتها. كل صباح يمنحنا فرصة لارتداء نظارة جديدة، لا سوداء، لنرَ النصف الممتلئ، ولنؤمن أن خلف كل ظل، هناك مصدر ضوء ما زال قائمًا، فقط يحتاج أن نلتفت. لذلك، لا تكن من سكان الظلال، بل كن ممن يصنعون النور، حتى في أصعب العتمات.