الاختلاف في حد ذاته يعتبره الكثيرون شيئًا مميزًا، لأنه يُميز الشخص عن غيره ويضعه في مكانة مختلفة، لذا يسعى البعض إلى الاختلاف بأي صورة من الصور، حتى يحظى بصفة الشخص المختلف، ولكن هل المقصود هو الاختلاف في حد ذاته؟ أم أن الأمر مرتبط بطبيعة الاختلاف ونوعه؟! الحقيقة أن الاختلاف في حد ذاته قد يكون بلا قيمة أو تأثير، وربما يكون للأسوأ، طالما أنه بلا هدف حقيقي ومنطقي، في حين أن الاختلاف الإيجابي المقصود به الابتكار والإبداع، والتفكير والتصرف خارج الصندوق، أي الخروج عن النمطية المُكررة، لاسيما وأن هناك بعض الأشخاص الذين يتصرفون بشكل مُتباين تمامًا عن الآخرين بُغية لفت النظر، والحصول على انتباه الغير، في حين أن تصرفاتهم تعتبر غير مُحبذة أو مقبولة من الآخرين، بل ربما تنال استياءهم. فلو كان الإنسان يسعى إلى الاختلاف ، فهذا في حد ذاته أمر لا بأس به ولا مراء فيه، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذه المرحلة فحسب، بل إنه يمتد إلى أهمية وضرورة وجوب أن يكون هذا الاختلاف للأفضل، فهل نُنكر أن الشخص الذي اعتاد أن يُطيعه الجميع ولا يعترضون على أفعاله وأقواله، إذا تصادف وقابل أحد الأشخاص الذي يقول له كلمة "لا"، فيكون الأمر بالنسبة له غير مُستساغ ولا يلقى قبولاً، بل ويلفت نظره بسبب حالة الاستفزاز التي اعترته، بسبب عدم انصياع هذا الشخص له، ويسعى جاهدًا لترويضه، ربما لرفضه اختلاف هذا الشخص عن البقية الباقية، فلا خلاف على أن الاختلاف يثير الإنتباه، سواء بالسلب أو بالإيجاب، ولكن العبرة ليست برد فعل المُتلقي، بل بالشخص المُختلف، فلابد لأي إنسان لا يرغب في السير مع القطيع أن يضع نفسه في إطار مُتميز يكون له أهدافه المُحددة، فهذا الأمر يُعد إيجابيًا، طالما أنه طريق مشروع وله أهداف نبيلة. فهناك أشخاص تختار دراسة صعبة أو غير مُتداولة لكي تُبدع فيها، وليكون مجالها مُتميز، فهذا في حد ذاته تفكير جديد، وهناك مَنْ يسعى خلف موهبته ويُقرر تنميتها لتكون هي سبب شهرته ونجاحه، وهذا بلا شك سلوك محمود وبه إبداع خاص، لأنه قد يكون مُغامرًا، ولكن لديه حسابات خاصة ومنطقية تضعه على طريق النجاح. إذن فالعبرة ليست أن يكون الشخص مُختلفًا فحسب، بل في أن يكون اختلافه له أبعاد وأهداف مُميزة، لأنه وللأسف الشديد هناك أشخاص سعوا وراء الاختلاف العشوائي، فكانت عاقبتهم أنهما ساروا في طريق الضياع، لأنهم اتخذوا من التمرد وسيلة دون أن يعرفوا إلى أين يريدون أن يذهبوا، فصاروا بلا هدف أو هوية. وأخيرًا، فلا خلاف على أن الاختلاف لكي يكون له صدى إيجابي، ويضع صاحبه في بداية طريق التميز والتفرد عن الآخرين، لابد أن يكون اختلافًا محسوبًا.