قد يبدو البذخ بريقًا، والثراء سحرًا، والقصور جنّات معلقة فوق الأرض، لكن ما جدوى الأضواء إن كانت تُبهرك ظاهريًا وتُعميك داخليًا؟ وما قيمة العيش تحت سقفٍ مرصّعٍ بالذهب، إن كان الضمير غائبًا، والقلب ميتًا، والروح تمشي على أطراف خيبتها؟ إنّ الكرامة لا تُشترى بالأرضيات الرخامية، ولا يُقاس الشرف بمساحة القصر، بل يُقاس بما تبقى من نور في داخلك حين تنطفئ كل الأنوار من حولك. أحيا على ضوء شمعة.. نعم، شمعة وحيدة متواضعة، تتراقص على إيقاع الصدق، تشتعل بضمير لا يعرف المساومة، ولا ينحني للرياح، شمعة لا تملأ الغرفة نورًا، لكنها تكفي لأن ترى بها نفسك دون تزييف، في حضرة هذه الشمعة، أعرف من أنا، وأين أقف، وما الذي لن أتنازل عنه، حتى وإن غيّر العالم أثوابه. العيش الشريف لا يحتاج إلى سقف عالٍ، بل إلى قلب عالٍ، والثراء الحقيقي لا يُقاس بعدد المصابيح، بل بكمّ القيم التي لم تُطفأ، فما أكثر من يعيشون في قصور، لكن أرواحهم سجينة، وما أكثر من يتوسدون الأرض، وقلوبهم تعانق السماء. الضمير، يا عزيزي، هو الحارس الذي لا ينام، والمحراب الذي لا يُغلق، هو السقف الحقيقي الذي يحميك من الانهيار الأخلاقي، حتى وإن تساقطت جدرانك، هو ما يجعلك تنام مطمئنًا وإن كنت على حصير، بينما غيرك يتقلب على فراش من حرير يتلظى فيه بندمٍ لا يُقال. أن تحيا بضمير، يعني أن تقول "لا" حين تُغريك الامتيازات، وأن تختار الجوع على أن تأكل لقمة مسروقة، وأن تضيء شمعتك الصغيرة من نار الكبرياء لا من لهب النفاق. تحت أضواء القصور، قد تُكسر المرايا، ويُزيّف الانعكاس، فتبدو كبيرًا وأنت داخلك هش، وتبدو نبيلاً وأنت لا تحمل ذرة من الوفاء، أما في ظل الشمعة، فكل شيء واضح، لا مجد بلا مضمون، ولا رفعة بلا قيمة. الشرف لا يحتاج إلى قصر كي يُعلن عن نفسه، بل إلى قلب لا يخون، ولسان لا يكذب، وضمير لا يساوم، وقد قالوا قديمًا: بيت من طين فيه راحة ضمير، خير من قصر يعلوه صمت الخيانة. أحيا على ضوء شمعة بضمير، نعم.. وهذه الحياة، وإن بدت متقشفة، هي حياة لا يُخجل أن تُروى، ولا يُخاف أن تُحاسب عليها، إنها الحياة التي حين تغادرها، تترك خلفك نورًا لا يُطفأ، شمعة قد تحترق، لكنها لم تخن نفسها.