شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بالشاعرة والصحفية والأديبة جميلة العلايلى التى ولدت فى العشرين من مارس عام 1907م كتبت الشعر قبل تأسيس مدرسة أبوللو على يد أحمد زكى أبو شادى وإبراهيم ناجى وعلى الجندى فلما نشرت قصائدها فى مجلة أبوللو لاقت احتفاء واستقبالا طيبا من رموز هذه المدرسة وغيرهم من النقاد مما شجعها على الانتقال إلى القاهرة للإقامة الدائمة، وكانت مقالاتها وقصائدها تنادى بالإصلاح والتذكير بالقيم والمثل وتتناول قضايا الأخلاق والآداب. يصاحب قصائد «العلايلى» لوحات الفنان العالمى فرانشسكو جويا «30 مارس 1746- 16 ابريل 1828» وهو رسام وحفار اسبانى، كان الرسام الرسمى لملك اسبانيا و مؤرخ اخبار التاريخ، ويعد أحد أهم الفنانيين الغربيين وأحد روادهم . بين الشك واليقين تراك هنا البعيد أو القريبْ فطبعك سيدى طبعٌ غريبْ لقد آخذتنى دون اكتراثٍ ولم تشفقْ على الدمع الصبيب وكم أشعلت فى قلبى لهيبًا فباتت مهجتى شمعًا يذوب وغالبتُ الأسى عَلّى أواري همومَ النفس أو شجن الكروب وكم أعلو على مسرى ظنونى ولولا الحبُّ ما اغتُفِرت ذنوب فكيف تمسّ إحساسى بوهمٍ ضميرى بات يحرس كالرقيب ولولا أننى بك مستهامٌ لما أغضى الفؤادُ عن العيوب أتنسى أننى نورٌ مشعٌّ أضيء دجاك فى الليل الرهيب أتنسى أننى روحٌ ولوعٌ حباك الدفء فى الجو الرطيب قنعتُ بكنز آدابى وفنى ولم أجنح كغيرى للهروب ولا أهفو لأضواء الملاهى وعشت هناك فى كنف الطيوب وروَّضتُ الفؤاد على اقتناعٍ وأضحى الجاه مشكاةَ الذنوب وكم قالوا وقولهمُ مثيرٌ فتاةُ الطهر والنبت الحسيب رماها صائدٌ رميَ اقتدارٍ فلم ينجُ المحاذر بل أُصيب وكان الظنّ أنَّ من اقتنانى يسير بركب أوهام تُريب فما جازت ظنونٌ قدّروها برغمهمو علوتُ على الخطوب لقد قال العواذل كلَّ إفك وكان جزاؤهم فشلاً يعيب وأشعلت الشموعَ مساء عُرسى لأُعلن أنك الزوج الحبيب وأشهدت الرفاق على قِرانٍ بعيدٍ عن أضاليل القلوب وروّضتُ الفؤادَ على التداني وعفت المجدَ من كفّ الغريب وقلت رسالةُ الأنثى ضياءٌ ينير مسالك الدهر العصيب وطابت لى حياةُ القفر دومًا وهيّأت المقام لتستطيب وكان كفاحك الماضى سبيلاً لتفتحَ لى المسالكَ والدروب وقدّمت الدليل على وفاءٍ سما بى فوق أقوال المريب علامَ الشك والظَّن المريبْ وقلبى عازفٌ عما يُريب صفاء الروح يكسبنى بهاءً فأبدو فى الصبا رغم المشيب فما ذنبى إذا ما كنت أبدو بسحر شبابيَ الزاهى القشيب أخاف عليك من عُقبى سُهادٍ يُذيب النفسَ من قبل المغيب فناجِ الله إمّا لاح شكّ فكم زحفت شكوكٌ بالخطوب ولا تجنحْ لوهمٍ أو خيالٍ فكم أودت شكوكٌ بالقلوب وإن تقصفْ بقلبك نار شكٍّ فعُدْ لله واطلب ما تطيب وربك سوف يرفع عنك حتمًا ظلامَ الوهم والظنّ الكذوب وتحيا فى رحاب الله دومًا ولا تفزع من الهمّ المشوب فعطّرْ من يقينك كلَّ فكرٍ لتحيا فى الحياة بلا كروب
من أنا رحماكِ نفسى أجيبى اليوم تسآلي قد ضقتُ ذرعاً بأعبائى وأثقالي قد ضقت ذرعاً بما ألقاه فانطفأت مِشْكاةُ خيرٍ هدت روحى لأفعال فمن أكون؟ وما شأنى وما أملى ولِمْ قدمتُ لهذا العالم البالى ولم خُلقتُ لهذا الكون وا أسفى ولمْ ولدتُ؟ لماذا جاء بى آلى لئن ثنى الدهرُ من سهمى وحاربنى فما أبالى وحسبُ القلب آمالى أنا الأبيَّةُ لا أبغى مهادنةً إن الصراحة أفعالى وأقوالى فالقول أجملُه ما كان أصدقَه وما أردتُ به تبديلَ أعمالي يا ربِّ من كان معتزاً بفضلك لا يخشى الملامة من قيلٍ ومن قال قالت بهمسٍ: هنا نفسٌ تعاتبنى أَمَا كفاكِ نعيماً ذكرك الغالى كُفِّى الملامةَ ولْترضَيْ بما التمعت به ليالى الهوى من ضوئك الغالى
عتاب أتخضع للهواجس عند صمتى وتأبى أن تُصيخَ إلى اشتياقى حديث الروح همسٌ يا قرينى تصوِّره الشفاهُ على المآقى أليفى لا تقل قلبى عزوفٌ فلولا البين ما طاب التلاقى وقد تدنو ليالينا الخوالي ويُجْمَع شملنا بعد افتراق فحبُّك قد تمكَّن من فؤادى وذِكْرك شاغلى وبه احتراقى وكيف رأيتَ فى صمتى ملالاً وقد قيَّدتُ نفسى بالوثاق وعندك من زهور الروض ذكرى تفوح بعطر أنفاس انطلاقى فكل خميلةٍ فى الروض تحكى أقاصيصَ المحبة والوفاق وتلك نسائم الليل الموشَّى تبوح بذكر أحلامى الرقاق ترفَّقْ أيها الزوجُ الموافى لقد ولّى الفراق مع المحاق وما أحلى اللقاءَ على وفاقٍ وما أحلى الوفاقَ مع العناق
قلب غريب رباه قلبى صاد كيف أرويه من ذا يهدهد ما فيه ويسقيه؟ صوت الجحود يرن اليوم فى أذنى لولا الإباء لرحت اليوم أحكيه قد بات قلبى غريبا فى محبته حب طهور فهل من ثم يدريه؟ وقد غدوت وحالى فى الورى عجب وليس فى الحب ما أخشى فأخفيه أسائل الله عن قلبى ليلهمنى إن كنت أحيا به أو لا فأرثيه؟
حب المحال سلنى مليك عواطفى المحبوبا سَلْنى عن الحُبِّ المُذِيب قُلوبا حب «المحال» أصابَ مَعْقِل مهجتي فعرَفتُ فيه الصَفْو والتَّعْذيبا يا حسرةً تُفنى مناهِلَ رغبتى يا نزعةً تُحيى الفؤادَ طَرُوبا إنِّى أراه مع الظلام كأنَّه طيفٌ يلوح مع الحياةِ غريبا ويطوف بى شجْوُ الحنينِ كأنَّنى أفْنَيْتُ عُمرَ المُغرمين نحيبا لو أنَّ أحزانى تُطيع مدامعي لرأيتَ دَمْعى فى القريضِ صَبيبا لو أنَّ بحر الحبِّ يأخذ مسرفاً ماءَ المَدَامعِ ما شكوْتُ سُكُوبا لو أنَّ ذاتكَ ما أرُوم وأبْتَغِي مِنْ كُلِّ قلبٍ ما رجَوْتُ حَبيبا لكنَّنى أهوى الفُنون لأنَّها تحْيا بمِشْكاةِ الخُلُودِ لَهِيبَا وأظلُّ أُفْتَن بالمُحَال لأنَّه رُوحُ الكمالِ فهل عَشِقْتُ عَجِيبَا
الليل باللهِ، يا ليلُ لا تسمع لأتراحى فكم حنوتُ على مُضْنَى ومُلْتَاحِ باللهِ، قل لى: هل عيناك قد فُتِحَتْ على جريحٍ تمنَّى كفَّ جرَّاحِ أشكو لنفسيَ من هَمٍّ يُؤرِّقنى والنَّاسُ فى ليلِهم هاموا بأفراحِ هذا يسامر حسناءَ على حِدَةٍ ما بين نايٍ، ومزمَارٍ، وأقداحِ خالٍ من الهَمِّ لا يشكو لها أبداً إلا الصَّبابةَ فى جَهرٍ وإفصَاحِ وذاك فى نومه قد غُطَّ تحسَبُهُ من الصَّباحِ على وعْدٍ لصدَّاحِ وأنتَ، يا ليلُ، ترعانى على حِدَةٍ ما أطْوَلَ الليلَ للمحرومِ يا صاحِ أشكو إلى الله قلباً صاحياً أبداً يا ليته مثل غيرى ليس بالصَّاحى
ليتك تعرف الله فى دنيا تموج ظلاما أنا لا أرى وجهًا بها بسّاما والناسُ أشباحٌ تمرّ بخاطرى فأظنها فوق الثراء غماما قالوا فعِيشى مثلَ زهرة نرجسٍ فأُعانق الأَضواءَ والأَنساما عِيشى كغيرك لا تبالى بالردى قدرٌ يجرّك حيث شاء وراما سيّان ثمةَ من يتاجر بالهوى أو من تراه عن الضلال تسامى أو علّ أكثرنا نوالاً للمنى قومٌ قضوا تلك الحياة نياما ولقد يُرى من يحتفى فى بيته وحديثه قد فجّر الأَلغاما قالوا لنا إن الحياة فسيحةٌ فالضيق لا يبقى هناك دواما خلق الإله البدرَ يكتسح الدجى وتراه فى الليل البهيم تماما وتراه ذوبًا من لُجَيْنٍ سائلاً وتراه يمحو فى الدُّنا الآلاما هو فى رحاب الكون يبدو آيةً من ربّه للمرء حيث أَقاما لهفى وما لى لست أُبصر فى الورى نورًا ولا بين الظلام أَناما قد شاع فيهم ما نعاف من الهوى وجفا الضميرُ سلوكَهم وتعامى
يا بائع الصبر يا بائعَ الصبر بِعْ لى اليوم قنطارا فقد غدوتُ بما ألقاه محتارا وخذ من الهمِّ ما قد بتُّ أحمله فدرهم الصبر لاقى الهمَّ قنطارا ولا تكن مشفقاً فيما ستطلبه أجراً فإن فؤادى بات صَبّارا لقد بكيتُ من الدنيا وشقوتها وقد جرى مدمعى فى الأرض أنهارا وصرت والصبر موجوداً يُباعُ لنا ومن يبيع لنا للدهر أسرارا يا أيها الخلقُ رحماكم فخالقنا لم يرضَ للخلقُ فوق الأرض أضرارا لكننا نحن نشقى من تعصُّبنا ومن مطامعَ نُشقى الأهل والجارا فإن رأيتَ حزيناً ناله ضررٌ من الأنام فكن عوناً وإيثارا ولا تحاول بقولٍ منك تخدشه جرحُ الحزين يزيد الدمع مدرارا واسأل له اللهَ صبراً إن عجزت إذن عن أن تسوق له ما يُطفئ النارا وقل له: لا تهنْ واصبرْ ومعذرةً ثم التمسْ لجميع الناس أعذارا وإن رأيت شقيّاً ضلَّ من قلقٍ فوجِّهِ النصح لا توليه إنذارًا فرُبَّ داجنةٍ تُمحى حلاكتُها مهما ترى الدهر بالإنسان قد جارا والعسرُ يَعقبُه يسرٌ وحالتنا هى التقلُّب إيسارًا وإعسارا يا بائع الصبر بِعْ لى كلَّ ما ملكت يداك منه وزِدْ لو شئت قنطارا