اختتمت أعمال القمة العربية رقم أربعة وثلاثين والتي انعقدت في العاصمة العراقية بغداد، والقمة والتي وإن لم تحمل جديدا يلبي طموحات وتطلعات الشعوب العربية في نقلة نوعية بالأمة العربية ومواجهة التحديات الجسيمة التي تواجهها، إلا أن انعقادها ألقي الضوء بشكل ما نحو المسئولية التاريخية التي يجب أن يقوم بها الإعلام العربي الآن في ضرورة التمسك بكل ما منً شأنه النهوض بوحدة الامة العربية، وأن يكون الإعلاميون العرب صوتا للتقارب والوحدة، وليس صوتا للتفرقة وبث الكراهية والفتن بين العرب. وهي كلها قيم مهنية مهمة تضمنها ميثاق الشرف الإعلامي العربي الذي اعتمدته جامعة الدول العربية مؤخرا بموجب قرارات من مجالسها. وهنا يأتي التعامل مع هذا الميثاق باعتباره ضرورة ملحة وملزمة لجميع الهيئات والجهات والإعلاميين العرب في الالتزام به. ويهدف هذا الميثاق إلى تعزيز المهنية والشفافية في الإعلام العربي. من خلال عدد من البنود تتضمن القيم والمواثيق الاخلاقية التي تدعو الي ضرورة تبنيها من قبل جميع الهيئات والجهات الإعلامية العربية. وتسخير إمكانيات الإعلام العربي كافة في خدمة الإنسان العربي والمصالح العليا للأمة العربية، وصون هوية الأمة العربية الثقافية والحضارية، وتعزيز تماسكها ووحدتها، وحفظ أمنها القومي والتعاون في مكافحة الإرهاب والتصدي للتدخلات الخارجية. واحترام حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام والاتصال كافة وتداول المعلومات والأخبار بأمانة وموضوعية وحيادية في إطار التماسك بالمسؤلية المهنية والقومية والأخلاقية، والحفاظ على الأمن الوطني، وحفظ خصوصيات المجتمع العربي وقيمة الدينية والثقافية والحضارية والأخلاقية في جميع أنشطة الإعلام والاتصال والإعلان. والحفاظ على اللغة العربية وسلامتها باعتبارها قوام الثقافة العربية ورمزاً للهوية وتطوير دور الإعلام في اثراء شخصية الإنسان العربي والتعريف بحقوقة وحرياته الأساسية وواجباته تجاه أسرته ومجتمعه ووطنه وأمنه، واعتزازه بالانتماء إلى أمته العربية وثقافتها وقيمها. وتجنب نشر أو عرض أو إذاعة أو بث كل ما من شأنه الإساءة الي التضامن العربي، وإثارة الفرقة والانقسام بين الأشقاء أو التعدي على سيادة اي من الدول العربية. والأسبوع الماضي انطلقت في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري مبادرة طموحة بالتعاون مع عدد من الجهات الإعلامية للتعريف والترويج بأهداف ميثاق الشرف الإعلامي العربي، وشهد اللقاء حضور عدد من أبرز الشخصيات الإعلامية والسياسية والأكاديمية. وأكدوا فيها على أهمية الإعلام ودوره في دعم قضايا العمل العربي المشترك و ببناء الإنسان العربي، وهذه المبادرة المهمة اهتمت بالتعريف بميثاق الشرف الإعلامي العربي الصادر عن جامعة الدول العربية للتعريف بالميثاق والترويج له في المجتمع العربي مع الجهات ذات الصلة، من أجل إعلام عربي حر وشريف ومسئول يدعم قضايا العمل العربي المشترك. ومن أهم التوصيات التنفيذية التي دعا إليها المشاركون نحو التعريف بميثاق الشرف الإعلامي ضرورة تعزيز الأطر التشريعية والقانونية لحماية أخلاقيات الإعلام ووضع الميثاق في إطار المقررات التدريسية في المؤسسات التعليمية المختلفة، بالإضافة إلى برامج التأهيل والتدريب على ثقافة الحوار، ونبذ العنف ومنع التعصب وتعزيز الهوية العربية. وطالب المشاركون بضرورة التوسع في عقد الندوات التوثيقية والدورات التدريبية المختلفة للإعلاميين للتعريف بالميثاق وأهدافه من أجل إصلاح حال الإعلام العربي. إن الترويج لهذا الميثاق الأخلاقي يجب أن يبنى على عدد من الأنشطة والفعاليات في مختلف الدول العربية من أجل تعريف المجتمع والإعلاميين ببنود الميثاق لتحقيق إعلام عربي يتسم بالنزاهة والشفافية و الحيادية والموضوعية في الدول العربية. إنه من الأهمية النظر لتفعيل ميثاق الشرف العربي، على أنه السبيل الوحيد للتوافق العربي لمواجهة الجماعات الإرهابية ولصد الهجوم الضاري وسيطرة الشركات الكبرى في صناعة الميديا، حيث إن الإعلام مهنة لها رسالة سامية، والأولى لهذه الرسالة أن يكون لها ميثاق شرف، والأكثر أولوية أن يتم الإلتزام بهذا الميثاق نصا وتطبيقا. فمع كثرة الطرح المقدم حول ميثاق الشرف مع تنوع وسائل الإعلام وحريتها والوصول إلى حد امتلاك كل مواطن لوسيلة اعلام خاصة به ووسائط متعددة في السوشيال ميديا، وقدرة كل شخص على الوصول لأكبر عدد من المتابعين بأي رسالة يحلو له تقديمها، وهذا أمر طبيعي بفعل ثورة التكنولوجيا والإتاحة التي قدمتها مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات التي فرضت سياستها على الجميع، لدرجة أصبحت مواثيق الشرف تكاد توزاي الإلتزام القانوني. والمواثيق صارت أشبه بالقوانين، ملزمة للمجتمعات، وأصبح لكل مجتمع القدرة على الفرز والدفاع عن مواثيق الشرف التي تناسبه، ما يعكس وعي المواطنين بفكرة ميثاق الشرف والهدف منه. ووعي الوطن العربي بفكرة مواثيق الشرف أولى بها أن تتحول إلى وحدة، يواجه بها الوطن العربي العالم الدولي كله، بميثاق شرف إعلامي موحد، خاصة أن لدينا مشتركات تدفع إلى هذا، مثل الثقافة والتاريخ واللغة وكثافة سكانية تجعلنا قوة في فرض معايير تناسب مجتمعاتنا وقوة في التأثير على كل الكيانات التي تهدف للوصول إلى المجتمعات العربية، خاصة أن كل المواثيق التي تفرضها الكيانات العالمية والشركات التي تخاطب العرب تختلف في معايير كثيرة عن مواثيق الشرف لدينا، إذا أننا نمتلك قواعد ثابتة لا خلاف عليها، في كل المواثيق الدولية والعربية، مثل حرية الحياة الخاصة وحقوق الأطفال ورفض التمييز وحقوق ذوي الهمم وغير هذا، لكن توجد تفاصيل نختلف فيها كليا مع الغرب، تراعيها شركات كبرى ومجتمعات السوشيال ميديا، وسبق أن عانى منها المجتمعات العربية في مواجهتها بالرفض أو التنويه على خطورتها. فالأولي أن يكون للعرب بمجتمعهم الضخم ميثاق شرف إعلامي عربي يفرض وجودهم على الكيانات الإعلامية والشركات الكبرى، لمراعاة معاييرنا وعدم إلزامنا بما لا نقبله. ومن هنا يأتي ضرورة استكمال مبادرة الترويج لميثاق الشرف العربي الإعلامي العربي في كافة الدول العربية وبصفة خاصة مع الأجيال الجديدة من الإعلاميين من خلال الندوات التعريفية والدورات التدريبية لبنود الميثاق، مع وضع الأطر التشريعية والضوابط التي من شأنها حماية بنود الميثاق الأخلاقية وتحويلها إلى مدونات سلوك مهنية إعلامية ملزمة تراعي الكود الإعلامي، وتلتزم الجماعة الإعلامية بمسئوليتها التاريخية في حماية الأمة، وضمان تماسكها في وقت ما أحوجنا فيه إلى هذا التماسك العربي كوحدة إنسانية في ظل المتغيرات الدولية العاتية التي تسعى للنيل من الهوية العربية وتاريخها. ومن يعلم فلربما ما قد تفسده السياسة العربية يصلحه الإعلام العربي الشريف.