في زحام الأيام، وعندما تغرق في ظلام ذكرياتك، قد تجد نفسك محاصرًا بين جدران أخطاء مضت، تصرخ في وجهك بألم، وتلاحقك كأشباح لا تفارقك، كثيرًا ما نغرق في لومة الماضي، نتخبط في أزماته، ونُذيب حاضرنا في بحر من الندم والتأسف على ما مضى، لكن الحقيقة التي يتجاهلها البعض هي أن الوقوف طويلًا عند أخطاء الماضي ليس فقط مضيعة للوقت، بل هو السلاح الذي يشهره الزمن ضد نفسك، ليمزق حاضرَك ويُشوش مستقبلك. الماضي، كما نعلم جميعًا، هو مجرد صفحة من كتاب طويل، صفحة تم طبعها وانتهت، ليس هناك سبيل للعودة إليها أو تصحيح أخطائها، فهي أصبحت جزءًا من التاريخ، جزءًا من دربك الذي لا يمكنك العودة إليه، لكن إذا سمحت لتلك الصفحة أن تهيمن على باقي فصول الكتاب، فإنك لا تكتب حياتك بل تعيد قراءة الأخطاء إلى ما لا نهاية. تُحاصرنا الذاكرة أحيانًا وتدفعنا للتمسك بتفاصيل قد تكون مليئة بالندم، لكن هذا التمسك يُحيل لحظاتنا إلى عذاب مستمر. ماضيك ليس سجنًا تعيش فيه إلى الأبد، بل هو درس يمكن أن يتجاوزك إلى الأفق، بشرط ألا تبقى عالقًا في زاويته الضيقة، إذا استمرت الحياة في ذهنك كحلقات مفرغة من الأخطاء والتراجعات، فسوف تُحرق كل لحظة تمر، وستتحول أيامك إلى جحيم مستعر لا يتوقف عن إضرام النار في أعمق أعماقك. اللحظة التي تقف فيها طويلًا عند أخطاء الماضي هي اللحظة التي تُبدد فيها ثروتك الوحيدة: الزمن، فالحياة لا تنتظر أحدًا، وكل دقيقة تمضي في ملاحقة شبح ما مضى هي دقيقة تضيع في دربك المجهول، وإذا أصررت على أن تكون أسيرًا لهذه الأخطاء، فإنها ستكون الثقل الذي يَجرّ قدميك إلى الحطام، إذن، ما من فائدة تُجنى من التوقف عند الخطأ، سوى أن تتحول الطموحات إلى رماد، والأحلام إلى أطلال. أما إذا قررت أن تدير ظهرك لذلك الماضي، وتضعه خلفك، فإنك بذلك تستعيد سلطتك على نفسك، وتحول ضوء الحاضر إلى شعاع ينير طريق المستقبل. المستقبل لا يُبنى على أنقاض الندم، بل على قوة القرار، وعلى القدرة على النهوض بعد كل سقطة. إن الحياة لا تعطينا الفرصة للتراجع، المستقبل لا ينتظر من يواصل النظر إلى الوراء، ففي كل لحظة قد تبدأ حياة جديدة، إذا اخترت أن تُعيد تعريف نفسك، وألا تسمح لماضيك أن يُقيدك. الأخطاء التي ارتكبتها لن تذهب، لكنها لن تملك السلطة عليك إذا قررت أن تعيش كما تريد، لا كما يفرض الماضي عليك. ابتسم للمستقبل، لأنه هو الذي يُسطر لك فصولًا جديدة لم تُكتب بعد، وتذكر دائمًا: الذي يتوقف عند أخطاء ماضيه، يعاقب نفسه على أشياء قد انتهت، بينما الذي يواصل السير يكتب لنفسه قصة جديدة، مليئة بالفرص والنضج والتعلم.