قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن قول الله تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، يؤكد أن فوائد الأهلة للمؤمنين أعظم من فوائدها العامة للناس، لأنها ترتبط ارتباطًا مباشرًا بضبط العبادات والمعاملات، كالصيام والحج وعدة النساء وغيرها من الشعائر التي تحتاج إلى تحديد دقيق للوقت. وأضاف رئيس جامعة الأزهر، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس، اليوم السبت، أن تخصيص الله تعالى "الحج" بالذكر في هذه الآية بعد عموم الناس، يُشير إلى أن المؤمن الحقيقي هو من يضبط وقته وشعائره وفق الأهلة، وهو ما يدعو المسلمين إلى التمسك بالتقويم الهجري، ومعرفة الشهور العربية وأهميتها في تنظيم حياتهم. وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن هذا المعنى يظهر أيضًا في قول شعيب لموسى عليه السلام: "على أن تأجرني ثماني حجج"، حيث عبّر عن مدة العمل بالحج وليس بالسنوات أو الأعوام، مما يدل على أن شعائر الإسلام ينبغي أن تكون حاضرة في وعينا اليومي، وأن نقيس أعمارنا وأعمالنا بشعائر الله لا فقط بالعدّ الزمني المجرد. وأشار إلى أن العادات الشعبية في مصر قديمًا كانت تربط الزمن بالشعائر، فكان يُقال: "مع طلعة المحمل"، أو "مع قدوم الحجيج"، أو "مع عيد الأضحى"، وهي تعبيرات تربط الحياة اليومية بالإسلام، مما يعزز الهوية الإيمانية والثقافية للأمة. وتابع: "علينا أن نُعيد للتقويم الهجري مكانته في حياتنا، وأن نُحيي ارتباطنا بالشهور العربية، فهي ليست مجرد أرقام، بل هي مواقيت أنزلها الله لنعرف بها ديننا، ونعيش بها هويتنا، ونربي بها أجيالنا". فسر الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، قول الله تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، موضحًا أن هذه الآية جاءت ردًّا على تساؤل بعض الصحابة الذين جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن تغير شكل القمر، ولماذا يبدأ هلالًا نحيفًا ثم يكبر حتى يصبح بدرًا ثم يعود في التناقص مرة أخرى. وأضاف رئيس جامعة الأزهر، أن الصحابة سألوا سؤالًا علميًا عن سبب تغير حجم القمر، وكان من المتوقع أن يأتي الجواب بتفسير علمي مرتبط بموقع الأرض بين الشمس والقمر، ولكن الله جل جلاله اختار أن يلفت انتباههم إلى الحكمة العملية من هذا التغير، فجاء الرد: "قل هي مواقيت للناس والحج". وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن هذا الأسلوب يعلمنا كيف نربط بين العلم والعمل، فالأهلة لم تُخلق عبثًا، بل لنعرف بها مواقيت عباداتنا وأعمالنا، من الصوم والحج وسائر العبادات، وحتى في أمورنا الدنيوية كالعدة والتجارة والعقود وغيرها. وأشار إلى أن العلماء وقفوا عند هذه الآية وقفات عظيمة، حيث قال الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات: إن الله عدل عن الجواب العلمي إلى الحكمة العملية ليُعلّم الناس أن العلم الذي لا ينبني عليه عمل لا يُنتفع به، لكن العلامة عبد الله دراز علّق في هامش الكتاب معترضًا بأدب، فقال إن التفسير العلمي أيضًا له أثر، لأن الله دعانا إلى التفكر في الكون والنظر في آياته، وقد أسلم كثير من الناس في العصر الحديث بسبب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. وتابع: "هكذا يكون أدب العلماء.. يختلفون في الرأي، ويتوارثون العلم، ويحترم بعضهم بعضًا، دون ضجيج ولا تشنج، وإنما برقي وأدب، ليعلمونا نحن أيضًا كيف يكون الحوار، وكيف يكون العلم وسيلة للبناء لا للهدم".