فى مقال بنشرة صدى الدورية الصادرة عن مؤسسة كارنيجى، تحدث محمد السمهورى، الخبير الاقتصادى بالمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، عن الأزمة المالية القادمة فى مصر، وقال إن أحد أصعب التحديات التى ستواجه الرئيس الجديد فى مصر، بغض النظر عن هويته، توفير المال اللازم لتمويل عجز الموازنة، والذى تقدر قيمته ب22.5مليار دولار. وفى ضوء المشاكل المالية الكبيرة التى تعانى منها البلاد منذ الإطاحة بمبارك، فإن تلك ستكون مهمة صعبة تزيد من حدتها الشكوك والاضطرابات فى المشهد السياسى. ويرى الكاتب أنه لن يكون بالإمكان الاعتماد على الاقتراض المحلى واستخدام الاحتياطى النقدى الأجنبى لتمويل عجز الموازنة خلال السنة المقبلة، حيث تراجع الاحتياطى الأجنبى وأصبح أقل بنسبة 40% عما كان عليه فى يناير 2011، ومن ثم فإن الاحتياطى الموجود حالياً، والمقدر ب 15.2 مليار دولار، يكفى لتغطية الواردات لمدة ثلاثة أشهر. من ناحية أخرى، فإن القطاع المصرفى فى مصر يعانى من حالة ضعف، بسبب زيادة الدين الحكومى بشكل كبير، كما أن 50% من مجموع ودائع الجهاز المصرفى حالياً مستثمرة فى سندات خزينة وسندات حكومية، كما أن 75% من كل الودائع الجديدة تذهب لتمويل النفقات الحكومية الجارية، ولا يبقى سوى القليل منها لتمويل القطاع الخاص، وأدى هذا الأمر إلى وصول سعر الفائدة إلى رقم قياسى عند 16%، ناهيك عن انكشاف القطاع المالى أكثر أمام الديون السيادية. ويشير الكاتب أيضاً إلى وجود عاملين خارجيين يمكن أن يساهما فى تفاقم الأزمة المالية فى مصر، الأول هو تباطؤ النمو فى أوروبا، والذى يزيد المتاعب المصرية حدة، حيث إن أوروبا تشكل سوق الصادرات الأساسية بالنسبة لمصر. والعامل الثانى أن الاقتصاد المصرى شديد الحساسية، لتقلب أسعار الغذاء والوقود العالمية، لأن مصر تستورد 60% من احتياجاتها الغذائية، و40% من الوقود. وبذلك يبقى حل الاستدانة الخارجية هو الخيار الوحيد لسد العجز فى الموازنة، كما يقول السمهورى، لكن حتى هذا الحل يواجه مشكلات عدة، أولها أن التصنيف الائتمانى الدولى لمصر تراجع فى الآونة الأخيرة بسبب الاضطرابات السياسية والعجز المالى المتزايد وانخفاض الاحتياطى الأجنبى، وخفضت مؤسسة "ستاندرد آند بودز" المالية تصنيف مصر الائتمانى للديون السيادية طويلة الأمد بالعملة الأجنبية ثلاث مرّات: من BB إلى BB-، ثم إلى B+، وبعدها إلى B، الأمر الذى يجعل الاقتراض من الأسواق المالية الدولية مستقبلاً أكثر تكلفة. كما أن الاستدانة من المنظمات الدولية لن تكون سهلة هى الأخرى، ففى الأشهر الستة الماضية، تفاوضت مصر مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض قدره 3.2 مليار دولار، لكن المفاوضات لم تنته إلى شىء لغياب الإجماع السياسى الداخلى حول القرض. ويرى الكاتب أنه مع كل هذه الصعوبات التى تعترض مصادر التمويل المحلية والخارجية، فإن الحاجة تظل ماسة لتأمين السيولة النقدية اللازمة لتمويل العجز فى الموازنة العامة الجديدة، وذلك كى تتمكن مصر من تجنّب كارثة اقتصادية قد يتسبّب بها تراجع فى قيمة الجنيه المصرى يتوقّعه معظم المحلّلين منذ ما يزيد عن ستّة أشهر. وحتى يتمكن الرئيس المصرى الجديد من النجاح فى نزع فتيل القنبلة المالية الموقوتة فى مصر، فإن أمامه مهمتين غاية فى الصعوبة، إذ يجب عليه، أولاً، أن يقنع ناخبيه بالحاجة الملحّة إلى المساعدة الخارجية، بما فى ذلك اللجوء إلى الاستدانة، التى بدأوا يظهرون رفضاً لها فى الآونة الأخيرة. وثانياً، عليه أن يُقنِع المانحين والمقرضين المحتملين لمصر (فى المنطقة العربية وخارجها على السواء) بأن لديه خطة عملية قابلة للتنفيذ لإعادة الاستقرار فى بلاده فى مجالَين أساسيين: الأمن الداخلى والإصلاحات الاقتصادية. وبالنظر إلى النتيجة المفاجئة وغير المتوقعة للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهوية المرشحين اللذين وصلا إلى الجولة الثانية التى ستُجرى فى 16 و17 يونيه الجارى، قد تكون مهمة الإقناع هذه أقرب إلى المستحيل.