زراعة دمياط: إحالة جمعيتين زراعيتين إلى النيابة للتحقيق في مخالفات    الاتحاد الأوروبي يبحث تدريب 3 آلاف شرطي فلسطيني    مبابي يغادر معسكر منتخب فرنسا ويعود إلى مدريد بسبب الإصابة    القبض على متهم بالنصب على راغبي السفر للخارج بالجيزة    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    تعرف على الحوافز المقدمة لمصنعي السيارات في إطار البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تشارك في جلسة «تعزيز العمل اللائق بمصر»    القوات الأمريكية تدمر قاربًا للاشتباه بنقله مخدرات في الكاريبي    اليوم.. "كأن لم تكن" في عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    محافظ الجيزة: تصدر منشأة دهشور بمسابقة "بناء الثقة" للرعاية الأولية إنجازًا يعكس جهود القطاع الصحي    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى لانتخابات النواب    الأمطار الغزيرة تزيد معاناة النازحين في غزة وتغرق خيامهم    بسبب تغيرات المناخ.. 29 حريقا خلال ساعات الليل فى غابات الجزائر.. فيديو    محمد عبدالعزيز عن ابنه كريم عبدالعزيز: "ابني ينوي إعادة تقديم فيلم انتخبوا الدكتور"    فريق الخبراء المستقلين بشأن السودان: أعمال وحشية لا توصف حدثت بالفاشر    دعاء لأهل غزة.. «اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا» سطور من القلب لنجاتهم وصبرهم    «الصحة» و«الاتصالات» تستعرضان دور الذكاء الاصطناعي في دعم التنمية البشرية    الداخلية تطلق مبادرة "سلامة عيونك" لفحص طلاب المدارس بالمناطق الأكثر احتياجًا    اليوم العالمي للسكر| وزير الصحة يعلن توجيه ميزانية موسعة للوقاية منه    سلامة عيون أطفال مصر.. مبادرة الداخلية "كلنا واحد" تكشف وتداوي (فيديو)    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول الاستثمار في الشباب من أجل التنمية    عالم أثار إسبانى: المتحف المصرى الكبير مبهر وفخم وكل زائر سيشعر بعظمة الحضارة    محافظ أسيوط: استرداد 264 فدانا و1722 متر مربع بالمرحلة الثالثة من موجة الإزالات 27    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    بعد رحيله المفاجئ.. تنطفئ آخر صفحات حكاية محمد صبري التي لم يمهلها القدر للاكتمال    رئيسة نايل تى فى: مقترح تغيير شعار القناة قدمه فريق التطوير والقرار للهيئة    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    وزراء التخطيط والزراعة والأوقاف يتفقدون المركز الزراعي المتكامل بسهل القاع    سيول وواشنطن أتمتا اتفاقهما بشأن بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية    عيار 21 الآن.... تعرف على اسعار الذهب اليوم الجمعه 14نوفمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    قيصر الغناء يعود إلى البتراء، كاظم الساهر يلتقي جمهوره في أضخم حفلات نوفمبر    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    زى النهارده.. منتخب مصر يضرب الجزائر بثنائية زكي ومتعب في تصفيات كأس العالم 2010    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    برباعية في أوكرانيا.. فرنسا تصعد لكأس العالم 2026 رسميا    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل مات صلاح جاهين منتحرا.. هل مات مكتئبا؟
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 04 - 2025

هذا هو السؤال المحير الذي يطل من بين رحيق ذكرى الرحيل كل عام لوفاة فيلسوف الشعر وشاعر الثورة وصانع البهجة والسعادة للناس صلاح جاهين .
40 عاما تمر على وفاته – توفى جاهين في 21 ابريل عام 86 عن عمر 56 عاما- ويبدو أن الاجابة أصبحت مثل الأساطير التي تنسج حول الاشخاص والأحداث فتتحول الى حقيقة غير قابلة للتكذيب وتبقى في دائرة الشك فقط تدور حولها كل عام الأقاويل والآراء والتصريحات دون يقين تاركة مزيد من الحيرة والكثير من الأسئلة.
هي ذاتها الحالة الابداعية والانسانية " المحيرة" للغاية التي عاشها بين قوسين وداخل رسوماته الكاريكاتيرية ورباعياته الشعرية..بين منتهى الفرح والسعادة والأمل والبهجة..ومنتهى الحزن والآسى والكآبة.. في حالة مزاجية حادة لا منطقة وسطى تعيش فيها أو تلوذ بها وتهرب اليها. هكذا عاش جاهين " حالته النفسية والانسانية" شديدة الخصوصية التي امتزجت واختلطت فيها كافة المشاعر الانسانية من أدناها الى أقصاها من فرط اللذة والعشق والبهجة والانبساط ومرح الطفولة الى منتهى الحزن والانسحاب والاكتئاب وآنين الشيخوخة.
فهو الذي قال في احدى رباعياته:"
أجمل ما فيها العشق والمعشقة
وشويتين الضحك والتريقة
شفت الحياة، لفيت، لقيت الألذ
تغييرها، وده يعنى التعب والشقا
عجبى !!"
وقال أيضا:"
أنا اللي بالأمر المحال اغتوى
شفت القمر نطيت لفوق في الهوا
طلته ما طلتوش وايه أنا يهمني..؟
وليه مادام بالنشوى قلبي اغتوى"
وهو ذاته الذي قال:
مرغم عليك يا صبح . . مغصوب يا ليل
لا دخلتها برجليا ولا كان لي ميل
شايليني شيل جيت أنا للحياة
وبكرة هخرج منها شايلينني شيل
وعجبي"
وأيضا :"
عجبي عليك.. عجبي عليك يا زمن يا أبو البدع
يا مبكّي عيني دما
ازاي أنا اختار لروحي طريق
وأنا اللي داخل في الحياة مرغماً"
"قالوا السياسة مهلكة بشكل عام..
وبحورها يا بني خشنة مش ريش نعام..
غوص فيها تلقى الغرقانين كلهم..
شايلين غنايم.. والخفيف اللي عام..
عجبي"
بين قوسين.. " بمبي والحياة بأة لونها بمبي " و" والورد مفتح شوفوا شوفوا بيضحك ويداري كسوفه" وبين " ساعات أقوم الصبح قلبى حزين..أطل بره الباب ياخدنى الحنين. اللى لقيته ضاع واللى اشتريته انباع واللى قابلته راح وفات الأنين"
كان هو الأكثر معرفة وبدقة متناهية فلسفة الحياة التي عاشها، فهو العاشق الأول للحياة والزاهد الأكبر فيها ..العائش في المساحة الغامضة في الحياة بين " الزهور والقبور"-كما في وصيته لابنه- أي ابن من قراءه- :
"أوصيك يا ابني بالقمر والزهورْ
أوصيك بليل القاهرة المسحورْ
وإن جيت في بالك.. اشتري عُقد فل
لأي سَمرا.. وقبري إوعك تزورْ!".
أمثلة بسيطة من شعره وأغانيه لكنها تختزل وتلخص سيرة حياة لم تتعدى سنواتها 56 عاما فقط منذ ولادته نشأته في شبرا في شارع جميل باشا في 25 ديسمبر 1930حيث عمل والده المستشار بهجت حلمي في السلك القضائي حيث بدأ كوكيل نيابة وانتهى كرئيس محكمة استئناف المنصورة.درس الفنون الجميلة ولكنه لم يكملها حيث درس الحقوق. وده هو الصحفي القديم أحمد حلمي الذي وصفه البعض ب«أول صحفي سياسي في مصر» وعمل مع الزعيم مصطفى كامل في صحيفة " اللواء" وأسس صحيفة " القطر المصري" وتوفى عام 36
كانت ولادة صلاح جاهين متعثرة، فخرج إلى الحياة أزرق اللون حتى استعاد أنفاسه، ويبدو أن هذا التعثر لدخوله الحياة- كما يؤكد الكاتب الصحفي محمد توفيق- تجلى لاحقا في حالته النفسية التي تأرجحت بين الفرح والاكتئاب الذي عاشه لفترات.
تزوج صلاح جاهين مرتين، زوجته الأولى «سوسن محمد زكي» الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها أمينة جاهين وإبنه الشاعر الكبير بهاء جاهين، ثم تزوج من الفنانة «منى جان قطان» عام 1967 وأنجب منها أصغر أبنائه سامية جاهين عضو فرقة إسكندريلا الموسيقية.
بين الفرح والاكتئاب سارت حياة صلاح جاهين منذ أن تفتح وعيه وبدأ في الانخراط في الحياة العملية كرسام وفنان وصحفي وشاعر ولم تكن لها علاقة بالأساطير التي تسببت في اصابته بالاكتئاب عندما بلغ من العمر منتصفه وما يتردد ويقال عن أن هزيمة يونيو أصابته بالاكتئاب وأن وفاة عبد الناصر زادت من حدة هذا المرض.
والدلائل كثيرة، فالرباعيات التي يستشهد البعض بها ويتم تناولها وتحليلها نفسيا بما يعكس الحالة المزاجية لصاحبها، بدأ صلاح جاهين في كتابتها عام 1959، وكان ينشرها أسبوعيا في مجلة صباح الخير حتى عام 1962، وحين انتقل إلى الأهرام توقف عن كتابة الرباعيات ثم عاد لكتابتها عام 1966 حين أصبح رئئيس تحرير مجلة " صباح الخير" وذلك لمدة عام واحد، توقف بعده نهائيا عن كتابة الرباعيات، إلا خمسا نشرها في مربعه بالأهرام تعليقا على مظاهرات الطلبة عام 1968.
والطبعة الحالية المتداولة من الرباعيات هي نسخة التي نشرت الذي نشر عام 1963 في طبعة الرباعيات الأولى التي وضع رسومها الفنان الكبير ادم حنين. كل ذلك حدث قبل نكسة يونيو ووفاة عبد الناصر.
كان من الطبيعي أن يتواءم مع كل مرحلة يمر بها ويعيشها في مصر وهو ما حدث مع انجازات وأحلام وأمال ثورة يوليو فأصبح جاهين هو صوت الثورة وشاعرها، فكل ما كتبه كان يتحول الى أغاني ثورية شعبية بصوت "عبد الحليم حافظ" وبألحان كمال الطويل ومنها "إحنا الشعب" و "بالأحضان" و "المسؤلية" و "يا أهلا بالمعارك" واستطاع جاهين أن يترجم مشاعر وأحلام وأفراح المصريين إلى كلمات زاخرة بالحماس والزهو بمشاعر مشاعره صادقة وعفوية. لكنه مثله مثل ملايين المصريين أصابهم الحزن الشديد واليأس من هزيمة يونيو ، بلغت هذه الحالة مداها معه لفرط حزنه ومشاعر الندم التي سيطرت عليه فتدهورت حالته الصحية وسافر للعلاج الى روسيا ولكن سرعان ما أصيب بالحزن والاكتئاب عقب وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
فبقدر تفاعله وتواءمه مع يوليو والاشتراكية وايمانه بزعامة عبد الناصر وحبه المفرط لكل ذلك معا، جاءت الصدمة قوية لا يتحملها انسان في مزاجية صلاح جاهين المتقلبة من النقيض الى النقيض. فقد اعتبر نفسه واحدا من أهم رموز المرحلة الناصرية والمشروع الناصري ومنظرا فنيا لها واعتباره " جبرتي الثورة" كما أطلق عليه صديقه كمال الطويل، بالتالي تأثره ومرضه واكتئابه استثنائيا مقارنة مع أي فرد آخر في المشروع الناصري. فقد كان مريضا بحب يوليو وزعيمها. كان حب وعشق عبارة عن انحياز جاهين للغلابة وللفقراء ولمكانة مصر وللحرب ضد الاستعمار قبل الانحياز للزعيم كفرد.
حتى في اكتئابه لم يكن جاهين هذا الشخص السوداوي المحب للموت والكاره للحياة على العكس تماما فهو مؤمن بالقدر ومجبر على الاكتئاب ومقبل على فكرة الموت ولكنه في الوقت ذاته محب للحياة وللحرية وعاشقا لها
البط شال عدى الجبال والبحور
ياما نفسى أهج … أحج ويا الطيور
أوصيك يا ربى لما أموت … والنبى
ما تودنيش الجنة … للجنة سور
عجبى "
لم تكن هزيمة يونيو ووفاة عبد الناصر سببا في اكتئاب و" انتحار " صلاح جاهين فالرجل عاش بعدهما حوالي 19 عاما بالنسبة للهزيمة و16 عاما بالنسبة لرحيل الزعيم، واستمر بعدهما يكتب ويسعى إلى تحويل كل شيء يجيده من شعر ورسم وكتابة وفن إلى متعة وإلى منتج للذة والبهجة والفرحة للناس حتى لوكان يهرب بذلك من حزنه الخاص. افرط جاهين حتى في انتاج الفرحة حتى أحرقته الحياة التي عشقها فقد قرر الانتحار على طريقته الخاصة بالكتابة والاندماج فيها ولا شيئ سواها. فقد كتب الأغاني لقيلم " غرام في الكرنك" عام 67، وكتب فيلم " خلي بالك من زوزو" عام 72 وهو أحد أكثر الأفلام عرضا في دور السينما حوالي 54 أسبوعا وقام بتأليف أغانيه، وألف فيلم " أميرة حبي أنا" وعودة الابن الضال 76، وفيلم " شيلني وأشيلك " عام 77، وشفيقة ومتولى 1978 والمتوحشة عام 79، وموت أميرة- تمثيل- عام 80 ووداعا بونابارت 1985 -تمثيل- وحلقات "هو وهي" و" اتنين على الهوا"، وفيديو كليب (اللعبة) عام 1985 وتأليف أغاني فيلم" اليوم السادس"عام 86 وبعد رحيله تم انتاج أفلام انقلاب والمخطوفة الذي كان قد ألف وكتب كلمات الأغاني لهما.
فهل المصاب بالاكتئاب والكاره للحياة يكتب ويؤلف كل هذه الأعمال وانتاج كل هذه البهجة والفرحة والخفة ؟!
صلاح جاهين يجيب بنفسه في حوار نادر مع الاعلامي طارق حبيب على التليفزيون المصري، قال إن الاكتئاب هو مرض مهنة رسامى الكاريكاتير، فقد لوحظ أن كثيرا من المهرجين والممثلين الكوميديين ورسامى الكاريكاتير مصابون بالاكتئاب، وأضاف: «سافرت في زيارات كثيرة لصحف أجنبية وقابلت رسامى الكاريكاتير هناك ولاحظت أنهم مكتئبون»، موضحًا أن زوجته أصرت على اصطحابه إلى طبيب عالمى خارج مصر لعلاجه، وعندما ذهبا قالت للطبيب: «جوزى ده في مصر بيشتغل رسام كاريكاتير»، فقال لها الطبيب: «وإيه يعنى، ما كل رسامى الكاريكاتير بيجيلهم اكتئاب، منهم فيكي»، وأكد «جاهين» أنه عندما سأل عن «فيكي» عرف أنه مات منتحرًا، فقال: «حسيت إن شعر راسى وقف».
في عام 2009 ووفقا لشهادة الكاتب والناقد السينمائي سمير فريد في احدى مقالاته قال أنه كان شاهد عيان على تناول "جاهين" لأقراص معينة قاصدًا قتل نفسه، وقال المنتج حسين القللا إنه حاول إحضار مضادات لهذه الأقراص، التى تناولها "جاهين"، من سويسرا، لكنها وصلته حين كان "صلاح" قد قرر الخلاص بالعالم الآخر
الكاتب الصحفي والإعلامي عادل حمودة، قال في برنامجه" واجه الحقيقة" بقناة القاهرة الاخبارية في نهاية العام الماضي انه حسب الدكتور أحمد عكاشة كان صلاح جاهين يعاني من مرض «الثنائي القطبي»، وهو مرض نفسي من أهم أعراضه التغير الشديد في المزاج، حيث ينتقل من الحزن إلى السعادة في مدة زمنية قصيرة أحيانا. ويستشهد الدكتور عكاشة على حالة صلاح جاهين من أشعاره «دخل الربيع يضحك لاقاني حزين، نده الربيع على اسمي قلت مين، حط الربيع أزهاره جنبي وراح، وايش تعمل الأزهار للميتين».. هذه حالة الحزن، ثم كانت حالة الانبساط، «الدنيا ربيع والجو بديع قفلي على كل المواضيع».
وبسبب الحزن الشديد الذي عانى منه مات وعمره 56 سنة، مات وهو في زهوة قدرته على الإبداع والعطاء.. إن من السهل جبر الأجساد المكسورة، ومن الصعب جبر النفوس المقهورة.
يذهب الى إن هزيمة يونيو 67 نزلت كالصاعقة على المصريين، وكان الكتاب والشعراء الأكثر انهيارًا، وشعروا أنهم ساهموا دون أن يقصدوا فيما حدث، والحقيقة أن الجميع صدقوا الحلم وآمنوا به، وكان الحلم جميلًا ورحبًا، ولكن بقدر حجم الحلم جاء حجم الصدمة. صلاح جاهين سقط مريضًا بالاكتئاب، وكان يبكي وحيدا في غرفته مغلقًا بابه عليه وكان يكلم نفسه حتى كاد أن يجن، وأُجبر على السفر إلى موسكو للعلاج من الاكتئاب ودخل مستشفى الكرملين تحت رعاية شقيقته بهيجة، وكان زوجها ضابطا في الجيش انتدب إلى مكتب المشتريات في العاصمة السوفيتية. وفقد نصف وزنه في اكتئابه بسبب هزيمة 67، فبعد أن كان وزنه 125 كيلو جرام
أصبح 75 كيلوجرامًا، وسخر من نفسه قائلا: «فقدت نصف صلاح جاهين»، وفي أثناء وجوده في موسكو تعرف على سعاد حسني وجها لوجه، كان ذلك في صيف عام 1971، إذ ذهبت سعاد إلى موسكو برفقة عزت العلايلي ويوسف شاهين لحضور مهرجان موسكو السينمائي. زارته سعاد وبخفة ظلها قالت له: «أنا كمان عندي اكتئاب، بصرة»، وفي تلك الزيارة بدأت صداقة فنية راقية بينهما.
والمريض بالاكتئاب كما شرح المرحوم الدكتور عادل صادق- وفقا لليوم السابع 23 ديسمبر 2009- يرى فى الانتحار النجاة وليس الموت، مثل من يلقى بنفسه من الدور العاشر للنجاة من حريق. وقد قاوم صلاح جاهين الاكتئاب بروحه الإنسانية العالية وسخريته المصرية الصميمة، ولكن المرض الوحشى هاجمه عام 1986، فانتحر وأنا لا يعنينى هنا من ينكرون انتحاره وكأنه جريمة، فقد عاصرت الموقف بنفسى، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وعاصرت محاولات المنتج السينمائى حسين القللا وهو يأتى بالدواء المضاد للحبات التى تناولها صلاح جاهين، ولكنها وصلت من سويسرا بعد فوات الأوان.
في حين تكشف ابنته الصغرى سامية جاهين اللحظات الأخيرة في حياته عندما أصيب والدها بالاكتئاب، قائلة إن سوء أحوال المصريين والعرب خلال الفترة الأخيرة من حياته تسبب في إصابته بحالة اكتئاب شديدة، فهو كان فنانا مشغولا دائمًا بمشاكل وهموم المواطنين ويشعر بالحزن الشديد بمجرد أن يشاهد أو يسمع أي خبر سيئ.
وأكدت، أن نكسة 1967 ليست هي السبب وراء إصابة والدها بالاكتئاب، لأنه توفى بعد النكسة بنحو 19 عاما، ولكن ما حدث أنه دخل في حالة حزن مثل جميع المصريين بسبب الهزيمة، ولكن مرحلة الاكتئاب بدأت معه في السنوات الأخيرة من حياته بسبب أحوال الناس الاقتصادية والسياسية، موضحة أنه كان مرهف الحس وشديد التأثر بالناس.
وحكت «سامية» موقفًا نقلته عن شقيقتها، بأنها تلقت اتصالًا من والدها قبل وفاته بأسبوع في أثناء قيام الطائرات الأمريكية والبريطانية بشن غارة وقصف على طرابلس ومنطقة بنغازى في ليبيا في 15 أبريل 2024، وقال لها: «إحنا بقينا مستباحين جدًا»، وكان في حالة حزن شديد من أحوال العرب في تلك الفترة.
وعلى الرغم من التفسيرات والتحليلات الصحفية والنفسية عن أسطورة " الاكتئاب" فقد خاض صلاح جاهين معارك أدبية وسياسية طوال فترة السبعينات والثمانينات وحتى وفاته، فقد نالت منه بعض الكتابات واتهمته بأنه تخلى عن ثورة يوليو و"كفر" بمبادئها فرد في مقال نشرته صحيفة " الأهالي" اليسارية الناطقة بلسان حزب التجمع، وقال: «إننا عندما نعترف بأخطائنا وندرك المناطق التي أخفقنا فيها وننتقد أنفسنا ونتكلم عن هذه الأخطاء فهذا لا يعني أننا كفرنا بمبادئنا،" مؤكدا على استمرار إيمانه بمبادئ الثورة والمساواة والعدالة الاجتماعية وهي معركة من أهم المعارك التي خاضها.
كما اتهمته كتابات آخرى بالهروب والانسحاب ومواجهه الواقع بكتابة أفلام من نوعية «خلي بالك من زوزو»، و«أميره حبي أنا»، وهي أفلام فترة السبعينات، البعيدة عن هموم السياسة ومشاكلها في ذلك الوقت واستنكرت عليه أنه اتجه إلى أعمال مبهجة في الوقت الذي كانت البلاد مهمومة فيه بمشاكل كثيرة واعتبروا هذا التوجه بمثابة انفصال عن المجتمع وغير مناسب لتلك الفترة.
كان رد جاهين عمليا، بأن استمر في هذا الاتجاه في إصرار يؤكد إيمانه بأن رسالة الفن لا تتوقف عند تقديم أعمال سياسية أو قضايا أخلاقية إنما ترتبط رسالة الفن أيضا بإمتاع الناس وليس رصد همومهم ومشاكلهم فقط. فالفن كان جزءا من شخصيته وكيانه.
كان آخر ما كتبه صلاح جاهين قصيدة بعنوان "ربنا" حيث يذكر أنه في أخر أيامه كان جالسًا مع ابنته سامية ذات الخمس سنوات، والتي فاجئته بسؤال "بابا يعني إيه ربنا"، فرد عليها بأخر قصيدة كتبها لتكون تأكيدا على خلفيته الدينية المؤمنة وعقيدته الثابتة، التي لم يؤثر بها الاكتئاب الشديد الذي تعرض له أكثر من مرة.
"مين اللي كوّر الكرة الأرضية
مين اللي دوّرها كده بحنية
مين اللي في الفضا الكبير علّقها
ما تقعش منها أي نقطة ميه
مين اللي عمل البنى آدمين
مفكرين ومبدعين
مين اللي إدانا عقول وقلوب
وشفايف تسأل هو مين؟
مين اللى دايمًا صاحي واخد باله
وكلنا بنحبه جلّ جلاله
ربنا
احنا بنحب ربنا.. وربنا بيحبنا
و يحبنا أكتر كمان.. لما نحب بعضنا
عمل الفراشة بأجنحة وزوقها
وكل فكرة مدهشة حققها
البحر حط له ملح لأجل يعوِّم
وما سابش حاجة إلا لما خلقها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.