يديعوت أحرنوت: واشنطن طلبت من إسرائيل تحمل مسئولية إزالة الدمار في غزة    واشنطن تصعّد الضغوط على كاراكاس.. تحركات لاعتراض سفن جديدة تحمل النفط الفنزويلي    تصريحات خطيرة من أمين عام الناتو تثير غضبا سياسيا في ألمانيا    القيادة المركزية الأمريكية: توسيع فريق التنسيق لغزة إلى 60 دولة ومنظمة شريكة    كالاس تعلق على فضيحة احتيال كبرى هزت الاتحاد الأوروبي    الدوري الأوروبي.. أستون فيلا ينتصر على بازل بثنائية لهدف    الدوري الأوروبي.. روما يصعق سيلتيك بثلاثية نظيفة    مرصد الأزهر مخاطبا الفيفا: هل من الحرية أن يُفرض علينا آراء وهوية الآخرين؟    العثور على جثة مجهولة لشخص بشاطئ المعدية في البحيرة    طلاب الأدبي في غزة ينهون امتحانات الثانوية الأزهرية.. والتصحيح في المشيخة بالقاهرة    أشرف زكي يكشف تطورات الحالة الصحية للفنانة عبلة كامل    قفزة في سعر الذهب بأكثر من 65 جنيها بعد خفض الفائدة.. اعرف التفاصيل    التعليم يكذب قرار زيادة المصروفات فى المدارس الخاصة    محافظ الجيزة يتفقد موقع حادث انهيار عقار سكنى في إمبابة.. صور    أولياء أمور مدرسة الإسكندرية للغات ALS: حادث KG1 كشف انهيار الأمان داخل المدرسة    سيلتك ضد روما.. الذئاب تخطف ثلاثية أمام بطل أسكتلندا فى الدوري الأوروبى    أستون فيلا يفوز على بازل بثنائية في الدوري الأوروبي    قائمة منتخب مصر في أمم إفريقيا 2025    أليو ديانج يقود قائمة منتخب مالى الرسمية استعدادا لأمم أفريقيا 2025    القوات الإسرائيلية تجدد اعتداءها على الأراضي السورية    "العدل" يكشف تفاصيل اليوم الثاني لإعادة انتخابات النواب 2025 في 30 دائرة برلمانية    مجلس الدولة يحدد ضوابط استخراج الصور التنفيذية والرسمية للأحكام والشهادات    إصابة ملازم شرطة انقلبت سيارته في ترعة على طريق دكرنس بالدقهلية    كامل الوزير: النصر للسيارات أنتجت 300 أتوبيس خلال عام.. وأول ميني باص كهربائي بعد 6 أشهر    ياسمين عبد العزيز تكشف دروس ما بعد الطلاق وشرط تكرار تجربة الزواج    ياسمين عبد العزيز: ندمت إني كنت جدعة مع ناس مايستاهلوش    مدير الصحة العالمية: رصدنا سلالة جديدة من كورونا نراقبها    ضبط شخصين بحوزتهما دعاية انتخابية ومبالغ مالية بمحيط إحدى اللجان في المنيا    حرمانها من بناتها.. أحدث شائعة طاردت شيرين عبد الوهاب في 2025    لحظة دخول ياسمين عبد العزيز ستوديو معكم منى الشاذلي    كامل الوزير: ندرس حاليا إنشاء مجمع صناعات معدنية.. وهنعمل مصانع بفكر وتكنولوجيا جديدة    جيمي كاراجر يهاجم صلاح ليتصدر التريند.. مدافع ليفربول السابق لم يفز بالدورى الإنجليزى وسجل 10 أهداف منها 7 فى نفسه.. ميسى وصفه ب"حمار".. رونالدو تجاهله على الهواء.. ومورينو: أنت نسيت الكورة.. فيديو    تعزيز التعاون الدوائي بين مصر والصين.. مباحثات موسعة لزيادة الاستثمار ونقل التكنولوجيا في قطاع المستلزمات الطبية    أحمد سالم في كلمة أخيرة: متوقع اكتمال تشكيل مجلس النواب الجديد بحلول أوائل يناير    في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. «الحرافيش» درة التاج الأدبي المحفوظي    أيهما الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟.. أمين الفتوى يجيب    محمد رمضان ل جيهان عبد الله: «كلمة ثقة في الله سر نجاحي»    انطلاق فرز الأصوات بالدائرة الثالثة بالفيوم    وزير الصحة يتفقد مقر المرصد الإعلامي ويوجه باستخدام الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    ضبط كميات من مصنعات اللحوم مجهولة المصدر داخل مصنع غير مرخص بالغربية    دوري المحترفين ..أبو قير يواصل السقوط والترسانة يتعادل أمام طنطا    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    العدل: معايير النزاهة في الاستحقاقات الانتخابية منارة تضئ طريق الديمقراطية    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    بعد أسبوع من البحث| اصطياد «تمساح الزوامل»    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    بث مباشر الآن.. مواجهة الحسم بين فلسطين والسعودية في ربع نهائي كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعرة معاوية فى قراءة التاريخ.. كيف نستخدم المنهج العلمى؟
نشر في اليوم السابع يوم 05 - 03 - 2025

لن أخوض فى أزمة مسلسل "معاوية" ففى نهاية المطاف هو عمل فنى يحمل وجهة نظر صانعيه، ولكنى سأتوقف عند الدراما فى القصة، والتى رغم مرور 1400 عام مازلنا جزءا منها، بل وحولنا الدراما إلى فيلم رعب تعجز هوليوود وبوليوود وموليوود عن إنتاج مثيل له بفضل الطائفية البغيضة والجهل أحيانا.
فى زمنٍ تتصاعد فيه الدعوات لإعادة قراءة التاريخ الإسلامى بعيداً عن الصراعات الطائفية والمذهبية، تبرز شخصية معاوية بن أبى سفيان كأحد أكثر الرموز إثارةً للجدل. مؤسس الدولة الأموية، الذى حوَّل الخلافة إلى مُلكٍ وراثي، يُوصَف فى الأدبيات السنية ك"كاتب وحي" و"حكيم السياسة"، بينما ترسمه الروايات الشيعية بصورة المتمرد على شرعية على بن أبى طالب.
لكن كيف نقرأ سيرته بمنهجية علمية تُحاكِم الوقائع دون انحياز؟ الإجابة تبدأ بفكِّ تشابُك الروايات التاريخية، والغوص فى سياقات القرن الأول الهجرى بكل تعقيداته.
بحسب المصادر السنية، مثل تاريخ الطبرى (ت. 310 ه) و"الكامل فى التاريخ" لابن الأثير (ت. 630 ه)، وُلد معاوية فى بيئةٍ أرستقراطية بمكة، حيث كان والده أبو سفيان زعيمًا لقريش. تحوُّله إلى الإسلام بعد فتح مكة (8 ه) مكَّنه من تولى ولاية الشام لاحقًا، وهو المنصب الذى استغله لبناء نفوذٍ عسكرى واقتصادي، تمهيدًا لصراعه مع على بن أبى طالب بعد مقتل عثمان بن عفان.
أما المصادر الشيعية، ك"مقاتل الطالبيين" للأصفهانى (ت. 356 ه)، فتُرجع أسباب الصراع إلى "الغدر" و"الانقلاب على الشرعية"، مستشهدةً برفض معاوية مبايعة على بعد استشهاد عثمان، واندلاع معركة صفين (37 ه)، التى انتهت بتحكيمٍ اعتُبِرَ فى الأدبيات الشيعية "مؤامرةً لنزع الشرعية عن علي". لكنّ باحثين معاصرين، مثل الدكتور عبد العزيز الدورى فى كتابه "النظم الإسلامية"، يشيرون إلى أن الصراع كان سياسيًّا بالأساس، مرتبطًا بتحالفات القبائل وتوزيع الثروات، وليس مجرد خلافٍ ديني.
لا يمكن فصل شخصية معاوية عن سياق عصره: بيئةٌ تخلط بين القيم القبلية والإسلامية، وتتنافس فيها مراكز القوى (الكوفة، الشام، مصر) على الهيمنة. هنا برع معاوية فى توظيف آليات السلطة ببراجماتيةٍ مذهلة: استخدم "العطايا" لشراء ولاءات القبائل، وفقًا لابن خلدون فى "مقدّمته"، ما أدى إلى تحوُّل الولاء من "الشرعية الدينية" إلى "المنفعة المادية". وفى كتاب "الأمويون: صناعة التاريخ المنسي" للباحث جورج بوست، يُشار إلى أن معاوية روَّج لسردية "الثأر لعثمان" عبر خطباء مُأجَرين، وحوَّل دماء عثمان إلى رمزٍ سياسى لتعزيز شرعيته. كما شكَّل تحالفات عابرة للحدود، وفقًا لدراسات المؤرخ هيو كينيدي، حيث دمج بين النموذج البيزنطى الإدارى والإسلامي، ما جعله الأقدر على توحيد الدولة بعد الفتنة.
يُعدُّ تنصيب ابنه يزيد وليًّا للعهد (56 ه) نقطةَ تحوُّلٍ فى التاريخ الإسلامي، حيث تحوَّلت الخلافة إلى إمبراطوريةٍ وراثية. يرى الدكتور محمد عمارة فى كتابه "معاوية فى الميزان" أن القرار كان "خيارًا واقعيًّا لضمان الاستقرار"، بينما يعتبره الدكتور رضوان السيد فى "الإسلام المعاصر" "انقلابًا على مبدأ الشورى". لكنّ الوقائع التاريخية تُظهر أن الأنظمة الوراثية كانت سائدة فى الإمبراطوريات المجاورة (كفارس وبيزنطة)، وأن معاوية – بحسب رسائله إلى الحسن بن على – قدّم نفسه ك"حافظٍ لوحدة الأمة"، حتى لو اضطر لاستخدام القوة، كما فى معركة كربلاء (61 ه).
كل ذلك من تناقضات فى الروايات يجعل من الضرورى فى القرن 21 أن نضع المنهج العلمى لقراءة التاريخ أمام أعيننا ، وتحت مجهر العقل وهو ما يدعونا كمواطنين أن نتعرف ولو على بعض الأفكار من المنهج العلمى لدراسة التاريخ، خاصة أثناء تناولنا للشخصيات الجدلية فى التاريخ.
فى العقد الأخير، حاولت دراساتٌ غربية وعربية، مثل أبحاث المؤرخة باتريشيا كرون، تفكيكَ الأسطورة عبر مقاربةٍ نقدية: نقشٌ حجرى فى حمامات شرق الأردن، يعود للعصر الأموي، يذكر اسم "معاوية أمير المؤمنين"، يؤكد أن شرعيته كانت مُعترفًا بها فى أطراف الدولة. كما يكشف تحليل روايات الطبرى – التى كُتبت فى العصر العباسى – أنها قدّمت معاوية ك"شرٍّ ضروري" لتبرير شرعية العباسيين، وفقًا لدراسة الدكتور خليل إينالجيك. وتشير عالمة الآثار سوزان آلستون إلى أن نظام الحكم الأموى كان امتدادًا لبنى اجتماعية قبلية، حيث تحالف معاوية مع النخب المحلية فى الشام لتعزيز سلطته.
التاريخ ليس مجرد سرد لأحداث الماضي، بل هو حقل معرفى يتطلب أدوات نقدية لفك شفراته وتحليل سياقاته. ومع تصاعد الجدل حول إعادة قراءة التاريخ، خاصة فى السياقات العربية والإسلامية، بات من الضرورى تطبيق منهجية علمية تتعامل مع النصوص والأحداث بموضوعية، بعيدًا عن الانحيازات الأيديولوجية أو الطائفية.. وهنا بعض القواعد التى قد تساعدك فى تكوين صورة أولية موضوعية منطقية.
أركان المنهج العلمى فى قراءة التاريخ
1. النقد المصدرى
يبدأ الفهم العلمى للتاريخ بتحليل المصادر الأولية (ككتب السيرة، والطبقات، والفتوح) وفحص مصداقيتها. فمثلاً، روايات المؤرخين الأوائل مثل الطبرى أو ابن الأثير ليست محايدة دائمًا، إذ تأثرت بسياقاتها السياسية والمذهبية. هنا، يُطرح سؤال: كيف نتعامل مع روايات متناقضة عن معاوية فى المصادر السنية والشيعية؟ الجواب يكمن فى مُقارنة النصوص، وتتبع سلاسل الرواة، وتحليل دوافع المؤرخين.
2. السياق التاريخي
يجب تفسير أفعال الشخصيات ضمن سياقها الزمني. فمعاوية، الذى حكم فى بيئة تلت حروب الردة والفتوحات، اتخذ قرارات كتعيين ولاة من عشيرته أو تحويل الخلافة إلى مُلك وراثي، لا تُفهم إلا بدراسة طبيعة السلطة فى القرن الأول الهجري، حيث كانت القبلية والتحالفات العسكرية تلعب دورًا محوريًا.
3. الابتعاد عن الأحكام المسبقة
تُحذّر المنهجية العلمية من إسقاط الحاضر على الماضي. فوصف معاوية ب"الخير" أو "الشر" بناءً على انتماءات حديثة يُعدّ انتهاكًا لموضوعية البحث. بدلًا من ذلك، يُفضَّل تحليل سياساته الإدارية (كإنشاء الدواوين أو النظام البريدي) وأثرها على استقرار الدولة.
4.الاستعانة بالعلوم المساعدة
مثل علم الآثار وعلم النقوش، التى قد تُقدم أدلة مادية تُكمل الصورة النصية. فالنقوش الأموية فى قصور الشام مثلًا تُظهر جانبًا من رمزية السلطة فى عهد معاوية.
فى العقد الأخير، حاولت دراساتٌ غربية وعربية، مثل أبحاث المؤرخة باتريشيا كرون، تفكيكَ الأسطورة عبر مقاربةٍ نقدية: نقشٌ حجرى فى حمامات شرق الأردن، يعود للعصر الأموي، يذكر اسم "معاوية أمير المؤمنين"، يؤكد أن شرعيته كانت مُعترفًا بها فى أطراف الدولة. كما يكشف تحليل روايات الطبرى – التى كُتبت فى العصر العباسى – أنها قدّمت معاوية ك"شرٍّ ضروري" لتبرير شرعية العباسيين، وفقًا لدراسة الدكتور خليل إينالجيك. وتشير عالمة الآثار سوزان آلستون إلى أن نظام الحكم الأموى كان امتدادًا لبنى اجتماعية قبلية، حيث تحالف معاوية مع النخب المحلية فى الشام لتعزيز سلطته.
الجدل حول معاوية ليس سجاليًّا؛ بل هو اختبارٌ لقدرتنا على قراءة التاريخ بوعي، كما علينا أن نعى أن إعادة قراءة التاريخ بمنهج علمى لا تعنى هدم الرموز، بل سعيًا لفهم أعمق لتعقيدات البشر والسلطة. وفى حالة معاوية، يكشف النقاش عن حاجة دائمة لمراجعة المصادر، وفك الاشتباك بين التاريخ ك"حقيقة" والتاريخ ك"رواية". ربما تكون الإجابة الأهم هى قبول أن التاريخ ليس أبيضَ ولا أسود، بل ظلالٌ من الرمادى تنتظر مَن يكتشفها بعقلٍ نقدي.
كل ما سبق يحيلنى لمشهد شهير من مسلسل (الستات ما يعملوش كده) بين سعاد نصر ويونس شلبي.. تسأله فيه عن حبل منشر الغسيل اللذى شبهته بشعرة معاوية…
لكن يونس شلبى يسألها جاهلا (مين معاوية)؟
الخلاصة؟ التاريخ ليس "حبل غسيل" نعلق عليه غسيلنا ، بل نهرٌ جارٍ نستمد منه دروسًا لعبور حاضرنا. ومعاوية – بكل تعقيداته – ليس مجرد "شعرة" فى هذا الحبل، بل خيطٌ فى نسيجٍ ضخم نسميه "الإنسانية". ربما كان يونس شلبى محقًّا فى جهله بمعاوية؛ فالمشكلة ليست فى "من يعرف"، بل فى "كيف يعرف؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.