يعد كتاب "فخر النساء زيد: متصوفة الفن والجمال" للكاتب الكاتب الأستاذ حسين دعسة، والصادر عن دار "أزمنة للنشر والتوزيع" في عمانبالأردن الشقيق من أجمل ما كُتب عن الفنانة الأردنية المبدعة فخر النساء زيد (1901-1991). كانت فخر النساء زيد فنانة تشكيلية أردنية من أصول تركية، وأميرة تحمل لقبًا ملكيًا، وشخصية استثنائية استطاعت أن تجمع بين التراث الشرقي والفن الحديث بأسلوب فريد من نوعه. وُلدت في إسطنبول لعائلة عثمانية عريقة، حيث نشأت في بيئة غنية بالثقافة والفنون. تأثرت بفنون الشرق وأوروبا على حد سواء، مما ساعدها في تطوير أسلوبها الفني الذي مزج بين التقاليد الشرقية والإبداع الغربي. نشأت فخر النساء زيد في كنف عائلة عثمانية بارزة؛ إذ كان والدها عبد الله بن فخر الدين من الشخصيات المؤثرة في الدولة العثمانية. تربت وسط أجواء ثقافية متقدمة في إسطنبول، مما سمح لها بامتصاص المعرفة الفنية من مصادر متعددة. في سنوات شبابها، درست في أكاديمية الفنون الجميلة في إسطنبول حيث تلقت تعليمًا تقليديًا في الفن الكلاسيكي. لكن ما يميزها هو أنها لم تكتفِ بهذا الإطار الأكاديمي، بل قررت أن تتخطى الحدود التقليدية لتبحث عن أسلوبها الخاص. بعد زواجها من الأمير زيد بن الحسين، انتقلت إلى أوروبا حيث قضت سنوات طويلة في باريس وبرلين. هناك تعرضت لتأثيرات الفن الأوروبي الحديث، مثل التكعيبية والسريالية، مما أضاف بعدًا جديدًا إلى أعمالها. كانت تتردد على المعارض والمتاحف وتتفاعل مع الفنانين الأوروبيين الذين أثروا في رؤيتها الفنية. لقد شكلت تلك الفترة مرحلة تحول رئيسة في حياتها الفنية، حيث بدأت تجمع بين العناصر التقليدية والحديثة في أعمالها، مما أعطاها شهرة واسعة. يعد أسلوب فخر النساء زيد فريدًا من نوعه؛ إذ يجمع بين أنماط الفن الإسلامي والبيزنطي مع التجريب الحديث. اشتهرت باستخدامها للألوان الجريئة والزخارف المعقدة، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة. كان لأعمالها طابع رمزي يجمع بين الشرق والغرب؛ إذ كانت تجسد من خلال لوحاتها رؤيةً عالمية تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. على الرغم من أن فخر النساء زيد قد ارتبطت بالعالم الغربي من خلال تعليمها وإقامتها، فإنها لم تنس جذورها الشرقية. تعكس أعمالها توازنًا بين التقاليد والحداثة، حيث كانت تسعى إلى دمج التراث الثقافي الشرقي بالفن الحديث بأسلوب ينسجم مع تطلعات القرن العشرين. هذا ما جعلها تحظى بتقدير كبير في الدوائر الفنية العالمية، حيث عُرضت أعمالها في معارض دولية مرموقة وحققت شهرة واسعة. إلى جانب نجاحاتها في أوروبا، كانت فخر النساء زيد أيضًا شخصية مؤثرة في تطوير الفن التشكيلي في العالم العربي. كانت تُعد رمزًا للفنانين العرب الذين يسعون إلى تجديد الأساليب التقليدية والانفتاح على تيارات الفن العالمي. من خلال أعمالها وتعليمها، أثرت على جيل من الفنانين العرب وألهمتهم لتبني أساليب جديدة ومبتكرة في التعبير الفني. في سنواتها الأخيرة، عادت فخر النساء زيد إلى الأردن حيث استقرت وعاشت حياة مليئة بالإبداع. أسست استوديو في عمان حيث واصلت العمل على تطوير فنها وتعليم الفنانين الشباب. لقد كانت ملهمة للعديد من الفنانين الأردنيين والعرب، حيث تركت إرثًا فنيًا وثقافيًا لا يقدر بثمن. ما تزال أعمالها تحظى بالتقدير في العالم العربي والغربي، حيث تُعرض في المتاحف والمعارض الكبرى. فخر النساء زيد ليست مجرد فنانة تشكيلية بارزة، بل هي أيضًا رمز للجسر الذي يربط بين الشرق والغرب، بين التقاليد والحداثة. لقد تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن الحديث، حيث مزجت بين عناصر متناقضة بطريقة فنية ساحرة. إرثها الفني والثقافي سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة من الفنانين والمبدعين، ليس فقط في العالم العربي، بل على مستوى العالم بأسره. في هذا الكتاب المهم، لقد برع الكاتب الكبير الأستاذ حسين دعسة في تناول حياة وأعمال فخر النساء زيد بأسلوب يجمع بين العمق والتحليل، مسلطًا الضوء على أهم ملامح شخصيتها ومسيرتها الفنية الثرية.