تربيت فى عائلة جميلة حقا.. تعلمت فيها معنى الحق والخير.. تعلمت فيها معنى الحب والتسامح.. تعلمت فيها معنى الصدق والأمانة.. تربيت وسط أناس يحبوننى وأحبهم.. يخافون على.. يجاملوننى دائما.. يسامحوننى حين أخطأ وأسامحهم حين يخطأون.. لا يكذبون ولا يعرفون طريقا للكراهية.. فسرت مثلهم.. فهم يشبهوننى وأشبههم لا أجد وسطهم ما يسمى بالحقد والأنانية. كانت أمى دائما أسمعها تردد ((فلان ده إنسان طيب)) و((فلانة إنسانة رائعة)). حتى اعتقدت أن الحياة كلها هكذا.. تخيلت أن الحياة لها وجه واحد فقط.. وجه مشرق جميل يسكنه الملائكة. لا أحد قبل ذلك كان يحدثنى أن للحياة وجوه أخرى كثيرة.. وجوه سوداء.. غير مشرقة.. تحمل من الأنانية والكره والحقد والغيرة الكثير والكثير بداخلها.. يسكنها شياطين على هيئة بشر. دائما كانوا يربونى على الصواب.. وعلى الخوف من الله.. فكلما كنت أشعر بأنى أحيد عن هذا الطريق أشعر بأن ضميرى يؤنبنى كثيرا فاعتقدت أن الحياة كلها مثلى.. لم أكن أتصور أن هناك أناسا فى هذه الحياة لا يخافون الله.. لا يملكون من الضمير سوى القليل مما يجعلهم يجرحون ويكرهون ويظلمون دون أن يتأثر ضميرهم بشىء. كنت دائما أعتقد أن من يتحدث باسم الله وباسم دينه.. لابد وأن يكون يخافه.. ويسير على تعاليمه.. ولكن لم أكن أعرف أن هناك من يتحدث ويخدع الآخرين باسم هذا الدين.. ولكنه فى الحقيقة لا يعرف عن قيم دينه وتعاليمه شيئا ولا ينفذ منها إلا ما يظهر لنا فقط. وحين التقيت بهؤلاء الذئاب البشرية.. وجدتهم يقولون كثيرا ((قال الله.. وقال الرسول.. وقال الإسلام)) فظننت أنى أتعامل مع ملائكة.. وجدتهم دائما ينفون عن أنفسهم كل الصفات السيئة وينسبون لهم جميع الصفات الحسنة.. فاطمأن قلبى لهم وأحببتهم كثيرا وأعطيتهم الثقة الكاملة.. فكنت لا أعرف أن الذئب يتلون بألوان الخير ليصطاد فريسته. وحين وقعت فريسة لهؤلاء الذئاب.. رأيت ما لم أكن أعرفه من قبل.. رأيت من يكذب ومن يخدع ومن يظلم ومن ينافق ومن يجرح، لكنى لم أرى وسطهم قط من يؤنبه ضميره على ما يفعله بل كنت أراهم يبررون أخطاءهم بصورة تجعلنى أصدق ما يقولونه. نعم لقد خدعونى.. نعم لم أكن على قدر من الوعى والخبرة التى تجعلنى أفرق بين الذهب الحقيقى والذهب القشرة.. نعم ظلمت كثيرا وجرحت كثيرا.. لكنى غير حزينة على هذه التجربة القاسية بقدر ما أنا حزينة بأنى أدركت بأننا حين نعزل أبناءنا عن الواقع ونصور لهم الحياة على أنها جنة يسكنها الملائكة فقط أننا نؤذيهم ونعرضهم بأن يكونوا عرضة للخداع وللجرح.. فأنا ألومك حقا يا أمى لأنك لم تكلمينى فى أى مرة عن هؤلاء الذئاب والشياطين.