يأتى بيان الإخوان المسلمين الذى صدر باسم الجماعة مؤخراً، والذى تضمن اتهاماً مباشراً للمجلس العسكرى بحماية حكومة الجنزورى الفاشلة على حد تعبيرهم ليضع النقاط فوق الحروف فى العلاقة الجدلية التاريخية بين الإخوان والعسكر والتى تعيدنا إلى سيناريو متكرر بين الإخوان والعسكر يبدأ دائما بتطبيق سياسة الاحتواء من جانب العسكر بوضعهم فى قلب أحداث المشهد السياسى، ثم يتطور من بداية الاختلاف إلى المواجهة فالصدام بعد ذلك.. وهذا ما حدث مع الملك فاروق، والذى كان الحكم على إستعداد لتقبل فكرة دخول الإخوان البرلمان والمشاركة فى المشهد السياسى، إلا أن سياسة الاغتيالات التى انتهجتها الجماعة فيما بعد هى ما عجل بالصدام، والذى وصل ذروته بمقتل الشيخ حسن البنا فى عام 1949، ثم من بعد ذلك مع جنرالات ثورة 1952 والتى انتهت بالصدام المباشر والحل الكامل للجماعة بعد أحداث المنشية عام 1954، والتى أتهم الإخوان فيها بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى مشهد دراماتيكى قال البعض إنه كان تمثيلية محبوكة من جانب العسكر للإطاحة بالإخوان والتخلص منهم، وقد مثل هذا المشهد ذروة الصدام بين الطرفين بعد الاحتواء ومن قبله التشارك، حيث كانت العلاقة حميمة جداً قبل الثورة ومع بدايتها إلى الدرجة التى قال البعض إن عبد الناصر نفسه وبعض رفاقه كانوا أعضاء فى الجماعة. ثم يأتى الرئيس السادات ويعطى للمرشد الثالث الشيخ عمر التلمسانى صلاحيات واسعة بممارسة السياسة خصوصاً فى الجامعات لدحر النشاط اليسارى والناصرى المعادى له فى بداية حكمه فكان استخدام الإخوان لإحداث نوع من التوازن السياسى إلى أن توغلت قوة التيار الإسلامى فى الشارع ضد السادات نفسه، فما كان من الأخير، إلى أن بدأ صداماً شرساً معهم انتهى بوضعهم فى المعتقلات فى نهاية فترة حكمه. ثم سار الرئيس مبارك على درب سلفه وتباينت العلاقة بينه وبين الإخوان ما بين شد وجذب واعتقالات لم تمنع الإخوان من المشاركة فى المشهد السياسى والتحالف مع بعض الأحزاب كالوفد والأحرار، بل ودخول مجلس الشعب بنسبة محدودة حتى شهدت العلاقة تحسناً ملموساً عندما سمح لهم بالحصول على 88 مقعدا فى مجلس الشعب فى انتخابات 2005، والذى كان لتخويف الداخل والخارج من سيطرة الإخوان على المشهد السياسى وابتلع الإخوان الطعم حتى بدء الصدام من جديد فى أواخر حكم مبارك، والذى تجلى فى مقاطعتهم لإنتخابات 2010 واعتقال العديد من قادتهم. وبعد ثورة 25 يناير 2011 يتكرر نفس السيناريو من جديد ويقع الإخوان فى نفس الفخ الذى تمثل فى محاباة واحتواء غير مبرر إطلاقاً للإخوان المسلمين على حساب كل القوى السياسية الأخرى بمن فيهم شباب الثورة وتنسيق كامل فى العمل المشترك بدء بلجنة التعديلات الدستورية بسيطرة شخصيات إخوانية عليها تمثلت فى المستشار طارق البشرى والمحامى صبحى صالح. ومروراً بتسهيل وتمهيد المناخ السياسى والإعلامى لسيطرة إخوانية كاملة على انتخابات مجلس الشعب بمباركة كاملة من المجلس العسكرى، مما أعطى الانطباع بوجود تفاهم كامل بين الطرفين لتقسيم السلطة على حساب الثورة والقوى السياسية الأخرى، حتى أصدر الإخوان بيانهم الأخير ضد المجلس العسكرى يتهمونه بحماية الحكومة الفاشلة ونيته تزوير انتخابات الرئاسة وبمحاولة التأثير لدى المحكمة الدستورة العليا لحل مجلس الشعب بناء على الدعوى المرفوعة ببطلان المجلس، وهو ما يؤكد أن بوادر الصدام قد لاحت فى الأفق من جديد فاثنان من الذئاب لا يكمن لهما التعايش فى قفص واحد. فهل نحن بصدد نفس الفخ الذى طالما وقع فيه الإخوان من قبل فى صراعهم مع السلطة أم أن المعطيات هذه المرة قد تغيرت لصالح الإخوان الذين يمتلكون الشارع والقدرة على الحشد التى تضعهم فى موقف أقوى بكثير من المجلس العسكرى، وأن هذا البيان ما هو إلا محاولة لاستعادة شعبيتهم التى تأثرت بالسلب فى الفترة السابقة. أم أن هذا البيان يدل على ضعفهم فى مواجهة المجلس العسكرى الذى سيظل فى المشهد بقوة وجوده على الأرض بالقوة أو باحتياج الناس للأمن المفتقد والذى لن يوفره فى هذه المرحلة إلا بقاء الجيش فى الشارع.