الحمد لله أننى تحررت من كثير من عادات وطباع وصفات العرب مع تمسكى الشديد بعروبتى التى أمسك فيها بقلبى وبعقلى وبيدى وبأسنانى، تحررت بأن أصبحت أتعلم الدرس تلو الدرس مما يواجهنى من مواقف ومشكلات وأحداث، إذ إن المعروف والمؤكد عن العرب أنهم لا يتعلمون من دروس التاريخ ومن الأحداث، ومن هنا فإنهم يلدغون من الجحر عشرات المرات، ولا يميزون بين اليد التى تصفعهم على قفاهم واليد التى تنتشلهم من كبوتهم، ولا يفرقون بين السلاح الذى يبعث برصاصاته إلى صدورهم والسلاح الذى يرسل رصاصاته ابتهاجاً فى فرح شيخ البلد اللى خلف ولد. ومن هنا ساد المثل القائل "يموت المعلم ولا يتعلم" وأقترح تعديله إلى "يموت العربى ولا يتعلم"، ومثل آخر يقول "كله عند العرب صابون" يعنى العملية بزرميط خالص، ومصداقاً لاختلافى عن بقية العرب الذين أنحدر من قوميتهم انحداراً، فإننى منعت نفسى منعا باتا من مشاهدة أحداث حرق غزة وتدميرها على الشاشات، ولم تقع عيناى على مشهد واحد حتى الآن، ليس لقسوة قلب عندى ولا لغيبة المشاعر والأحاسيس أو لغلظة عندى أو تبلد فى المشاعر، ولكن فعلت ذلك تأسياً بالزعماء العرب الذين لا يشاهدون شيئاً من هذا القبيل، وإلا لكان لهم موقف مختلف، وربما يشاهدون الأحداث ويصور لهم مستشاروهم هذه الأحداث على أنها أفلام عنف من إنتاج هوليوود، وأنها أحداث لكيفية القضاء على النمل الأسود الذى يتهدد نعناع الجنينة المسقى فى أحواض. أتابع الأحداث على صفحات الصحف وعبر شبكة الإنترنت، هذا وإن كنت عاتباً على العديد من الصحف والتليفزيونات المحترمة التى لا ترقص فى حجر السلطان والسلطات (بضم السين)، إذ سبق وأن نصحتها وسأظل أنصحها بمعاملة المسئولين بالمثل إذ إنه إذا كان الحكام العرب يتجاهلون شعوبهم، أى يتجاهلون مئات الملايين، فلماذا لا تتجاهلهم وسائل الإعلام المحترمة تجاهلاً تاماً، فلا نرى صورة لزعيم تؤذى عيوننا ومشاعرنا وتنقض وضوءنا، لماذا لا تتجاهل أيضاً أسماء قادة العرب وكأنهم غير أحياء أو على الأقل غير موجودين على أرض الوطن العربى، لماذا لا تبعث بالتجاهل هذا رسالة صريحة بأننا نعيش فى غابة ليس لها ملك أى ليس لها كبير، وأنها بلا أسد، ولا يوجد بها نمر أو فيل أو غزال أو ثعلب أو قط، وأنه يسمع بين الحين والآخر نباح لا يعرف مصدره، ولا يعرف إن كان لكلاب أو لفئران تقلد الكلاب فى أصواتها. لماذا لا تتجاهل وسائل الإعلام وجود المسئولين العرب، المسئولين عن خيبتنا وفضيحتنا ومذلتنا وضياعنا وتحويلنا إلى ممسحة لأحذية الأقذار السفلة، لماذا لا تعتبرهم مخلوقات لفظتها ونبذتها الدنيا ورفضت الآخرة قبولها، فلا هى حية ولا هى ميتة، ولها فى شارون الأسوة الحسنة، كم تمنيت لو أحيا ليوم أطالع فيه الأخبار على شاشة التليفزيون العربى فلا تقع عيناى على صورة مجرم، سفاح، خائن، مأجور، عميل، جبان، نصاب عربى يشغل كرسياً يدير من خلاله أمور دولة عربية.