نشرت الأسبوع الماضى صحيفة النيويورك تايمز تقريرا مطولا كتبه مدير مكتبها فى القاهرة ديفيد كيرباتريك عن المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، واصفة إياه بأنه الرجل ذو الصوت الأكثر حسما فى مصر الآن. وقد قرأت الموضوع بعناية تستحق الجهد الإعلامى المبذول فيه والذى يقدم درسا مهنيا لمن يريد أن يكتب أو يجرى تحقيقا صحفيا نزيها عن شخصية عامة. التحقيق الصحفى لم يكن تلميعا للمنهدس خيرت بقدر ما كان تقريرا يمكن لصانع القرار فى الغرب أن يعتمد عليه لفهم شخصية رجل يعتقد الصحفى كيرباتريك أنه سيكون رجل مصر القوى فى الفترة القادمة. تناول التقرير مراحل عدة من حياة خيرت الشاطر وعلاقته بالإخوان وبغيرهم من التيارات الأخرى، ولكن ما لفت نظرى أنه كتب يقول إن حياته كلها إخوان فشركاؤه إخوان، وأزواج بناته إخوان ومعظم من يعملون فى تجارته إخوان. كما لم يفت الصحفى أن يلتقى ببعض شباب الإخوان ممن يرون بحرية أعضاء الجماعة فى الالتحاق بالأحزاب الأخرى، وأن تكتفى الجماعة بالعملين الدعوى والخيرى، ونقل التحقيق عن الشاطر رده الذى عبر فيه عن الالتزام المؤسسى كوسيلة لتنظيم العمل. ذكر التحقيق أن الشاطر شخصية معتدلة وبراجماتية وهذا يعنى عند الغرب الكثير ويرسل رسائل طمأنة إلى من يهمه الأمر، ولكن هذا لم يمنع الكاتب من الإقرار وبوضوح بأن الشاطر أكد فى مقابلته أن الشريعة هى استحقاق لا يمكن التخلى عنه، لأن غالبية الشعب صوتت لذك. صحيح أن الشاطر لا يتبوأ أى منصب رسمى فى مصر ولكنه "قوى وذو نفوذ"، كما قال النائب الأمريكى ليندساى جراهام بعد لقائه خيرت الشاطر. مصدر قوة الشاطر من وجهة نظر الصحفى كاتب التحقيق ليس فى تجارته ولا موقعه داخل المؤسسة، فقد جاء وقت سجن فيه فى عصر مبارك أكثر من أى قيادة إخوانية أخرى، ولكن قوته تبدو فى رؤيته الواضحة والتى استوعبت دروس التاريخ، وأدركت أن القيادات على مدار التاريخ كانت تصهر وتصنع فى معامل المحن، لذا فهو يبدو وكما نقل الصحفى فى تقريره قويا حتى وهو فى محبسه يمارس دوره فى شركته مع موظفيه الين يتقاطرون على زيارة، كما يؤدى دوره فى جماعته وهو قابع بين جدران سجنه يفكر ويخطط. ولكن ماذا عن مغزى النشر فى هذا التوقيت؟ هناك طريقتان لفهم طبيعة العمل الصحفى على الطريقة الغربية الأولى هى أنه عمل صحفى يقدم خدمة للقارئ حتى لا يفاجأ فى يوم من الأيام بمن يحكم مصر أو يكون له دور ونفوذ فى حكمها دون أن يكون هناك جولة فى عقل وقلب هذا الشخص مبكرا. والثانية هى طريقة التضخيم فأحيانا ما يكون هناك ميل واضح للتضخيم خصوصا إذا ما كان الغرب ينظر للشخص على أنه خصم محتمل، لذا فقد تجنح بعض الصحف إلى تسليط مزيد من الضوء على شخص بعينه وكأنها تقول "ها هنا الخصم.. الهدف" صوبوا نحوه سهامكم. وشخصيا أميل إلى التفسير الأول بأنه عمل إعلامى القصد منه تنوير الرأى العام الأمريكى وصناع القرار ومراكز الأبحاث وربما كتابة كتاب عن مصر فى مرحلة ما بعد الصورة، يكون هذا المقال وما تلاه من مقالات عن شخصيات أخرى هو أحد أهم محتوياته. ولكننى لا استبعد فكرة التضخيم بكليتها، لأن التحقيق قدم الشاطر كما لو كان يسيطر على كل شىء فى الإخوان وهذا ضد طبائع الأمور فى مؤسسة كبيرة مثل الإخوان، وضد الحقيقة الواضحة والجلية لكل ذى عينين أن الشورى تتعمق يوما بعد يوما فى هذه المؤسسة وأن النجاح يعود يف المقام بالأول بعد فضل الله إلى العمل بروح الفريق. لقد قارنت ما كتبه كيرباتريك بما تكتبه الصحف المصرية حول الرموز والقيادات والتحقيقات الصحفية التى تبدو خالية الدسم وبشكل يجعل القارئ يصنف ما يكتب على أنه إما هجوم سافر أو تلميع مدفوع الأجر.