على جدران الكنائس، فى حجرات الرهبان، داخل البيوت والمحال، على السواعد والصدور، فى الحلى والملابس، فى القلوب والوجدان، فى كل تفاصيل حياة الأقباط ترى صورة القديس مارجرجس العظيم، هو الزعيم والقائد، الملهم والمغيث، رمز الحق وقاهر الطغيان، هو القديس المسبح والجندى المغوار، «أبوحربة» ليقتل بها الوحوش، «سريع الندهة» فى إغاثة المحتاجين، «البطل الرومانى» نسبة لنشأته وتربيته، «الملطى» نسبة لموطن آبائه وأجداده، «الكبادوكى» حسب مقر ميلاده، «الفلسطينى» نسبة لموطن أمه، والقبطى رسما وهوية رغم أنف المعترضين، فى كل بلاد العالم تنشأ من أجله الكنائس، وتقام له الأعياد، اسمه القريب من القلب واللسان يرتله المسيحيون وكأنه تسبيحة دائمة الترديد، ما من مسيحى تسمى بهذا الاسم إلا تيمنا بالقديس العظيم الذى تحمل العذاب وحده، متحديا طاغوت المتجبرين، كما تحمل المسيح آلام البشر ليخلصهم من الخطيئة الأبدية. صورته المعلقة على الجدران والبيوت، وهو يمتطى حصانه ممسكا بحربته ويصرع بها التنين محفورة فى وجدان الأقباط وكأنها من شروط الإيمان، مرة تجده قادما من جهة اليمين، ومرة أخرى من جهة اليسار، تارة تجده ممسكا حربته بيده اليمنى، وتارة أخرى يمسكها بيده اليسرى، وفى وقت آخر يمسكها بكلتا يديه، وكأن صوره تريد أن تقول لك: هذا القديس العظيم سيأتيك من أى اتجاه ووقتما تشاء، ليخلصك مما تعانى منه، وبكل الطرق الممكنة، يرسمه الأقباط محاطا بالقديسين والملائكة، وفوق رأسه تجلس مريم العذراء وابنها الراعى الصالح ليباركانه، الحصان الذى يمتطيه يشيح بوجهه من قوة الموقف، وهيبته، وفى مواضع أخرى يحملق فى التنين المصروع وكأنه لا يصدق ما يرى من معجزات يقوم بها أبوالشهداء. أسطورة القديس مارجرجس التى يحفظها الأقباط ويرددونها على مسامع أبنائهم تقول: كان فى قديم الأزل تنينا، أحيانا يأتى فى صورة وحش كاسر أو فى صورة ثعبان، أو فى خليط منهما، فى كل عام يظهر هذا التنين فى مياه النيل، لا يهدأ إلا إذا رمى له أهل القرية فتاة جميلة، وذات يوم كان القديس مارجرجس يمر بإحدى المدن المصرية، ووجد أهلها يصرخون ويبكون حزانى، لأن الدور هذا العام سيأتى على أجمل فتيات القرية وأحسنهم خلقا، وما أن سمع مارجرجس عويل أهل القرية وندبهم، وعرف بأمر التنين، حتى ذهب إليه وبعد صراع كبير استطاع أن يقتله ويطعنه فى فمه قبل أن يحرقه بنيرانه الموصدة، ومن وقتها عاشت القرية فى سعادة وأمان، بفضل هذا القديس القوى المغيث، وعرفانا من المصريين، أطلقوا اسمه على معظم كنائسهم فهو الثانى بعد العذراء فى عدد الكنائس التى تحمل اسمه، وله أقيمت الأعياد فى مناسبات متعددة منها: عيد استشهاده أول مايو، عيد تكريس أول كنيسة تحمل اسمه بفلسطين فى 16 نوفمبر، عيد تكريس أول كنيسة بِاسمه فى مصر فى 10 يونيه، عيد نقل رفاته إلى ديره بمصر القديمة في23 يوليه. وفى كل عيد من هذه الأعياد يأتى إليه مسيحيو مصر من كل حدب وصوب، للاحتفال بذكرى القديس منشدين أغنيتهم المشهورة «يا مارجرجس ع الجبل صلينا/ واحنا النصارى والصليب فى إدينا/ يا مارجرجس ع الجبل ركعنا/ واحنا النصارى والصليب رفعنا». قصة حياته لها روايتان، الأولى تقول إنه كان جنديا مسيحيا عاديا، وحينما أمر الحاكم دقلديانوس بمحاربة المسيحية وأصدر منشورا بذلك غضب «مارجرجس» ومزق المنشور، ولهذا أمر الحاكم بالقبض عليه وتعذيبه ثم أمر بقطع رأسه، والثانية، تشير إلى أن الذى عذبه هو أحد ملوك الفرس الوثنيين، واسمه داديانوس، الذى ذهب إليه مارجرجس بلبنان، ووجد أن معظم أهل المدينة والحكام يعبدون الأصنام بالإضافة إلى أن أهل المدينة المسيحيين كانوا يخشون أن يجاهروا بمسيحيتهم خوفًا من استشهادهم، ووقتها أصدر الحاكم منشورا يأمر بإزالة المسيحية من على وجه الأرض، فردد القديس «مَن سيفصلنا عن محبَّةِ المسيح؟ أشِدَّةٌ أم ضيقٌ أم اضطهادٌ؟!» وغضب وأعلن تذمره ومزق المنشور، وبدلا من أن يهرب جاهر بمسيحيته، ولم يستجب لمهادنة الحاكم الذى عذب القديس سبع سنوات نال خلالها أقسى صنوف الاضطهاد وتحملها بشجاعة وإيمان نادرين، ومات خلالها ثلاث مرات، وبعث الرب فيه الروح مرة أخرى، إلى أن توفى ودفن بعد سنوات العذاب بمدينة اللد بفلسطين. عند المصريين لا شىء يستعصى على القديس، وببركته تقضى الحاجات وتذهب الأمراض، ويتناقل الشعب المصرى فيما بينهم عدة حكايات للتدليل على معجزات أبوالشهداء، فهو الشافى من المياه البيضاء، والشلل، وروماتيزم القلب، وتلف الكبد، والصمم والخرس، والمس والضيق والجنون، والصرع، والعقم، وهو الذى يتوسط للتلاميذ فى استثنائهم من شروط القبول بالمدارس والجامعات، وهو الذى يقف مع المظلومين أمام القضاة فى المحاكم، كل الصعاب التى تواجه أقباط مصر لها حل واحد، هو مار جرجس سريع الندهة وغياث المحتاجين، يظهر أحيانا فى صورة ضابط «زى القمر» وأحيانا فى صورة عامل «شاطر» يصلح سيارة تالفة فى وسط الصحراء، وأحيانا فى صورة طبيب ماهر يتسلل فى الليل ليعالج المرضى، وأحيانا فى صورة شاب وسيم وشهم ينجد فتاة من محاولة سرقتها أو اغتصابها، كل المشكلات لها حل واحد هو مارجرجس، إن غابت العدالة، واشتد الكرب، ودب الوهن، وأكلنا الضعف، وعمت الظلمات، وتناحر الأخوة، وضاقت علينا الأرض بما رحبت فعندنا مارجرجس. موضوعات متعلقة.. ◄عشماوى.. الرحمة حين تنبت لها شوارب مرعبة ◄جحا.. بطل يمكن تكراره وأول من جمع «الهبل مع الشيطنة» ◄على بابا.. الحطاب الطيب الذى فتح له «سمسم» باب الثراء ◄هؤلاء مرشحون للدخول إلى ذاكرة الوجدان الشعبى بجدارة ◄على الزيبق.. روبن هود على الطريقة المصرية ◄شهريار .. السفاح الذى نجا من محكمة مجرمى الحرب ليقع فى قبضة زوجته شهرزاد هانم ◄الظاهر بيبرس.. فهم الدور التاريخى للحاكم فأحبه الناس ◄عنترة بن شداد.. أبوالفوارس الذى صنع نفسه بدمه وعرقه ◄مارجرجس.. سريع الندهة.. مغيث المصريين ◄«أدهم الشرقاوى».. مثل السادات الأعلى.. والسياسة وظفته لتعميق البطولة بين الناس ◄سيدنا الحسين.. مدد يابن بنت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» ◄الزناتى خليفة.. القوة والشجاعة حينما تقتلها الخيانة ◄أبوزيد الهلالى سلامة.. البطل العادل الذى يحتاجه العرب ◄أبطال الخيال الشعبى فى مصر ◄حكم قراقوش.. ديكتاتورية الأغبياء فى كل زمان ◄أيوب.. إنا وجدناه صابرا ◄شفيقه ومتولى.. الملحمة التى جعلت من القاتل بطلاً ◄حسن ونعيمة.. الحب حينما يتحول إلى دم ودموع ◄كان ياما كان الشاطر حسن تزوج ست الحسن والجمال فى زمان مثل زماننا بالضبط ◄أمنا الغولة والنداهة وأبو رجل مسلوخة.. الثلاثى المرح الذى يميتنا من الرعب ◄مريم العذراء.. التى تجمع المسلمين والمسيحيين تحت جناحيها ◄أم العواجز.. رئيسة جمهورية مصر الشعبية ◄فرعون.. أليس له ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحته ◄قارون.. إمبراطور المال فى تاريخ البشرية يزورنا فى المنام!