(هو فى إيه؟) جملة قالتها ابنتى عندما استيقظت من نومها على صوت بكائى، وأنا أشاهد التليفزيون وصور الأطفال والنساء يتساقطون قتلى ومصابين من جراء القصف الإسرائيلى لغزة, لم استطع أن أشرح لها، فدموعى تخنقنى واكتفيت بالارتماء فى حضنها، وبدأت تهدهدنى بيديها الصغيرتين وتضمنى إلى حضنها الطاهر البرئ، الذى لم تلوثه أطماع البشر بعد.. تذكرت أننا نحتاج إلى قلوب طاهرة بريئة حتى نحل مشاكلنا العالقة، أن نتصدى لعدونا أن نؤمن أن إلهنا واحد، وقضيتنا واحدة، لا فرق بين فريق حماسى وآخر فتحوى إلا بمقدار ما يقدمه لبلاده، لقضيته، أعلام كثيرة رأيتها فى مظاهرات التنديد ضد العدو الإسرائيلى، ألوان صفراء وخضراء وحمراء، وكأن الجميع أراد أن يثبت وجوده السياسى، فجأة تحولت الأراضى الفلسطينية إلى مجرد رايات، تكرر المشهد فى سوريا وكان المشهد الأغرب فى الحقيقة أن أرى صوراً للرئيس السورى بشار الأسد ترفع فى مظاهرات التنديد والشجب والاحتجاج لم يكن لصوره محلاً من الإعراب، وليس له دور مثلاً فى إخافة العدو وإرهابه للدرجة التى ستجعله يفكر ألف مرة فى استمراره فى دك غزة، شوارعها، مبانيها، مستشفياتها، ومدارسها. وعلى جانب آخر نجد سفاراتنا المصرية محاصرة فى أغلب الدول العربية من السودان مروراً بلبنان والأردن واليمن، وكأن الشعوب العربية اكتشفت فجأة أن العدو الإسرائيلى يضع مخططاته وقراراته داخل هذه السفارات، وأن مصر هى العقل المدبر الخفى وراء كل الكوارث التى تتعرض لها غزة، واكتفى المتظاهرون بعد أن وجدوا ضالتهم فى اقتحام السفارة المصرية فى اليمن ولبنان ومحاولة تدمير ما بها. والعجيب أن اليمنيين يرفعون أخيراً العلم الفلسطينى على السفارة المصرية فى اليمن، أليست هذه التصرفات العربية تدعو إلى الحسرة والبكاء على حالنا، متى سيدرك الجميع أننا فى خندق واحد؟ متى سيدرك السيد حسن نصر الله أن مصر ولبنان وفلسطين والسعودية والأردن وإيران وسوريا هم إخوة عرب يجب أن يتحدوا لا أن يتم تحريض فريق ضد آخر طمعاً إما فى قيادة زائفة أو بحثاً وراء نصر مصطنع.. هل فكر هؤلاء القادة والرموز العربية فى وضع حلول عملية تضئ الطريق أمام شعوبها للنجاة؟ هل سألوا أنفسهم ماذا نملك من قوة عسكرية لكى نواجه بها أعداءنا؟ هل وضعوا الخطط الاستراتيجية حتى نعيد بناء ترسانتنا البشرية من جديد؟ هل ساهموا فى بناء العقول التى تفكر فى مستقبل أكثر قوة هل تأملوا فى قول الله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) أين ما أعددتموه من قوة، القوة ليست بالكلام ولا بالحماسة والاندفاع.. القوة فى الاتحاد حول هدف واحد، القوة فى الثقة فى عروبتنا، القوة فى حساب ما نستطيع فعله من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. القوة أن نفعل ما نقول.. وأن نقول ما نستطيع فعله، بلا مزايدات. وأسأل أخيراً: هل استراح من ألقى باللوم على مصر وحكومتها وشعبها؟. هل نام قرير العين بعدما نفض عن كاهله مسئولية ما يحدث لأهلنا فى غزة.. أعتقد لا ... والله أعلم