الأمن وصفارة عم شعبان

قال لى صاحبى وهو يتبسم مما اكتشفه أو لاحظه فأردف قائلا، أسكن فى حى شبه هادئ، يغلب عليه السكون من بعد العاشرة مساء، واذا بزوجتى، تبدى انزعاجها من رجل يمشى كل ليلة بصفارة ويحوم حول البيت تقريبا حتى غدت تسمعه من بعيد، وسألنى أيه حكاية الراجل ده؟؟
أنا نفسى دهشت فلم أسمعه بالمرة، لكن زوجتى لفتت نظرى، حاولت أن أصغى إلى هذه الصفارة التى لم نتعودها من قبل، ثم تحينت الفرصة لأراه، إلى أن جاءت الحادية عشرة مساء فإذا بى أرى رجلا قصير القامة فى بداية العقد الخامس يرتدى جاكت منتفخ وبنطال وعمامة وبيده اليسرى عصا غليظة، كأنه غفير القرية، بسماته القديمة ويطلق صفيرا، ومن صفارته التى ربطها بخيط ثقيل برقبته قلت فى نفسى: ياترى ده درويش، هائم على وجهه تعود الشحاذة فى هذا الوقت بالذات أم أحد من رواد المقهى التى بأسفل البيت يعطف عليه.. حيث رأيته يتحدث إلى أحدهم.
وفى اليوم التالى بادرت بالسؤال عنه صاحب المقهى لأعرف حكايته فقال فى الحال ضاحكا، ده عم شعبان كلفناه يمر فى الحى هنا وهناك للأمن وأنت تعرف يا بيه.. السرقات التى حصلت للسيارات خصوصا منذ أيام...!
سعدت فى نفسى وأخبرت زوجتى فى الحال التى شعرت بالاطمئنان.. هذا هو الشعور الجميل بالأمن الذى تحتاجه كل أسرة وبيت ودكان.. لقد ذكرتنى صفارة عم شعبان بشاويش الدورية فى الأربعينيات والخمسينيات، برجال الشرطة الذين كانوا يركبون الخيل ويدورون بين الأزقة والشوارع، فيشيع بين الناس جو الأمن والأمان، حتى غدا نموذجا أفضل من مثله وجسده على الإطلاق الكوميدى المصرى العريق إسماعيل يس، ذلك هو الأمن الشعور الرائع الذى نخاف أن نفتقده فى أيامنا هذه.
إنها الشرطة بكل معنى الأمن والطمأنينة، لقد أثار عم شعبان عندى أفكارا قد تبدو غريبة، فلم لا يختار كل حى الشرطى الذى يحرسه بل ويأتى ومعه جنوده أو التابعين له..!! ثم يصبح عساكر الأمن بعدها بالاختيار والانتخاب...! طبعا كلها أفكار لا تصلح إلا للفيس بوك!! غير أنها طموحات الأمن الذى نحفى جميعا لإعلائه واستقراره، ولتحيا صفارة عم شعبان فى كل حى وكل قرية وكل نجع وكل زقاق وكل حارة.. عاشت مصر دائما آمنة.