عندما يقوم أى شخص فى بلادنا بتقديم بلاغ للشرطة ويتضح كذب هذا البلاغ، فإن هذا الشخص يتم القبض عليه ومحاكمته طبقاً للمادتين 304و305 من قانون العقوبات بتهمة البلاغ الكاذب، ولو ثبتت التهمة عليه يتم محاكمته أيضاً بتهمة إزعاج السلطات. أما عندما يقوم ظابط مباحث بتقديم متهم للنيابة ويتضح كذب هذا الاتهام، فإن هذا الظابط لا تتم مساءلته عن الأدلة التى جعلته يقدم بريئا للنيابة ومن ثم محاكمته. جاء حكم محكمة النقض فاضحاً لموضوع التلفيق فى مصر. فلقد أيدت محكمة النقض يوم الاثنين 22 ديسمبر حكم محكمة الجنايات ببراءة المتهم محمد عبد اللطيف، والذى قدمته المباحث الجنائية بالمنيا للنيابة كمتهم فى مذبحة قرية شمس الدين فى بنى مزار، والتى راح ضحيتها عشرة أشخاص من أهالى القرية رجال ونساء، تم استئصال أعضاء منهم وبعض الأعضاء التناسلية بطريقة فنية. بعد اعتراف المتهم، بل وقيامه بعمل معاينه تصويرية أمام النيابة وقدمت يومها المباحث حذاء، وقالت إن المتهم تركه فى مسرح الجريمة! لا أعلم هل تركه كتذكار! أم لكى تجده المباحث لتلقى القبض عليه! أم لأن الله مطلع على الجميع وأراد فضح هذه التمثيلية الرديئة! وبعد ثلاثة أعوام كاملة من الجريمة التى تمت يوم 29 ديسمبر 2006، تؤيد محكمة النقض الحكم ببراءة المتهم بعد أن قضى المتهم داخل السجن عام ونصف أى 500 يوم بالتمام والكمال، بعد أن ثبت أن الحذاء لا يمكن أن يكون حذاءه، كما أنه لا توجد أى بصمات أو شهود عيان للحادث، كما أن المتهم مريض يعالج نفسياً! كيف يقوم بجريمة كاملة بهذا الحجم وحده وفى توقيت متزامن؟ وليخرج لنا المتهم البرىء ويوضح لنا عن كم التعذيب الذى تعرض له لإجباره على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، ناهيك عما حدث لعائلته من تهجيرها مؤقتاً من المحافظة بالكامل لمدة عامين واغتيالها معنويا. المرعب والمذهل فى الموضوع هو أن الجانى مازال حرا طليقا وأنه حدثت عملية تدليس وتلفيق غير عادية فى جريمة كبيرة لم تتضح معالمها حتى الآن. ولا أجد معنى لأن تتستر وزارة الداخلية عن قيام بعض الظباط بالاستسهال المخل والفاضح فى تلفيق القضايا للأبرياء بدلا من التعب فى البحث الجنائى بالطرق العلمية، التى أصبحت متاحة وتعطى نتائج مذهلة. أم أن اعتقال الناشطين السياسيين بتهم مضحكة معلبة وجاهزة من مباحث أمن الدولة، قد أغرى البعض فى المباحث الجنائية بالمشى على دربهم وبلا وجع دماغ. لن أطالب باستقالة أى مسئول مثل الدول التى تحترم المواطنين والرأى العام فيها، ولن أطالب بمساءلة الظباط الذين استنطقوا الاعترافات من محمد عبد اللطيف، ولكن أطالب بالبحث عن الجانى الحقيقى. لا أريد أن أضطر أن أذهب للمفتش كرومبو الذى يظهر فى إحدى المسابقات على إحدى الفضائيات، لكى يبحث لنا عن الجانى الحقيقى فى هذه القضية الهامة، وأرجوه أن يترك القضايا الهايفة التى يعالجها، مثل قطع كورة على أوطو من سلاطة الكبابكجى ولا سرقة صاحبة برج أم قويق من عباس زلاؤوطة! وبالمرة يقول لنا أين يوجد يوسف عبد الرحمن وراندا الشامى، لكى يتم القبض عليهم لتنفيذ الحكم الصادر ضدهم فى قضية المبيدات المسرطنة، وأين رئيس نادى الشمس وأين سفاح المعادى وأين الصحفى رضا هلال؟ يا مفتش كرومبو إلحقنا.