"لو كان الفقر رجلاً لقتلته".. لسان حال عم "مسعد"، ذلك الرجل متوسط العمر، والذى نحت الفقر جسده وأكل عظمه، وسلبته الحياة كل ملذاتها، فلم تترك له إلا جسدًا نحيلاً وقلبًا ضعيفًا. لم تلتفت الثورة إلى حال عم "مسعد"، كما لم تحقق له أول مطلب من مطالبها الثلاثة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، فوجد نفسه بلا مأوى، يتحرش به برد الشتاء، ويقضى عليه صقيع الهواء، عقب انهدام منزله المتهالك، ولم يجد أمامه وسيلة سوى عرض نفسه للبيع، فدفعه الفقر إلى بيع كليته كى يعيش هو وأسرته، بعدما اسودت الدنيا فى عينيه، وبعدما سلك جميع الطرق أملاً فى أن يجد بارقة أمل ولكنه لم يجد سوى السراب. من أمام نيابة المقطم، بمحكمة جنوبالقاهرة بالسيدة زينب، روى "مسعد السيد أحمد"، 48 سنة، ل"اليوم السابع"، قصته المأساوية، والتى بدأت عندما انهار المنزل الذى كان يقيم به، وظل يتنقل هو وأولاده وزوجته فى الشوارع دون أن يجد قوت يومه، وفى أحد الأيام جلس على مقهى بمنطقة المقطم، فشاهد شخصًا يقترب منه ثم يجلس بجواره ويهمس فى أذنه قائلاً: "شكلك محتاج فلوس.. تبيع كليتك وتاخد 30 ألف جنيه، فكَّر ورد عليَّا بكره"، ثم أعطاه رقم هاتف للاتصال به. انصرف عم "مسعد" من المقهى ومشهد الأموال التى سوف يحصل عليها جراء بيع كليته لم يختفِ من أمامه، وبعد ساعات من التفكير اتصل بهاتف ذلك الشخص، وأخبره بموافقته على بيع كليته مقابل مبلغ ال30 ألف جنيه. وفى اليوم التالى، تقابل عم "مسعد" مع ذلك الشخص، والذى علم بعد ذلك أنه يعمل سمسارًا، وقال له إنه اتفق مع طبيب بمستشفى "بيت الفضل" بمنطقة المقطم على إجراء عملية نقل كليته مقابل حصوله على المبلغ من الطبيب فور انتهاء العملية. توجه عم "مسعد" برفقة السمسار إلى المستشفى، وتقابل مع الطبيب "أحمد. م" الذى طمأنه وأخبره بأن الإنسان يمكن أن يعيش بكلية واحدة، وأبلغه بأنه سيحصل على المبلغ فور انتهاء العملية. دخل عم "مسعد" غرفة العمليات، ومشهد أبنائه الذين يتضورون جوعًا لا يفارقه، ولم يحزن لأنه يبيع لحمه كى يعيشوا حياة كريمة.. مرت ساعات العملية حتى استرد عم "مسعد" وعيه من تأثير "البنج"، وظل بالمستشفى يومين يتلقى العلاج من الطبيب، مطالبًا إياه بإعطائه المبلغ المتفق عليه، 30 ألف جنيه، إلا أن الطبيب تحجج له بأن البنك مغلق بسبب الإجازة وأعطاه مبلغ 500 جنيه، وأخبره بأنه وفر له شقه إيجار، وسيحصل على باقى المبلغ بعد يومين، ومنذ ذلك الحين والطبيب يماطل عم "مسعد"، فلم يجد أمامه سوى السمسار، لكنه فوجئ به أغلق هاتفه المحمول، الأمر الذى دفعه إلى التوجه لقسم شرطة المقطم، وسرد أمام ضباط القسم قصته، وما تعرض له، ليتم تحرير محضر بتلك الواقعة، حيث وجه عم "مسعد" للطبيب والسمسار تهمة سرقة كليته، ليتم إحالة البلاغ إلى نيابة المقطم، برئاسة معتز مجاهد، والذى أمر بعرض المجنى عليه على الطب الشرعى لبيان ما إذا كان بالفعل فقد كليته من عدمه، وسرعة تحريات رجال المباحث عن الواقعة.