المشهد الميلوى درامى أو المأسوى فى قضية مقتل فتاتى مدينة أكتوبر "نادين وهبة"، ليس فى التناول السىء للإعلام لتلك الجريمة ولا فى مدى قناعة الرأى العام أو عدم قناعته بالنتيجة النهائية للقضية والقبض على المتهم فى ثلاثة أيام من وقوع الجريمة، ولكن فى التناقض الكبير فى البيئة التى يعيش فيها المتهم والضحيتان. التناقض الصارخ والفارق الكبير فى المستوى الاجتماعى للبيئتين نقلتهما كاميرات الفضائيات بسرعة، ولكن وراء كل بيئة معنى ومغزى، فالعشوائيات التى تزيد فى مصر الآن يقابلها زيادة أيضا فى المنتجعات الخاصة التى بدأت تنتشر فى ضواحى القاهرة الكبرى والجيزة، وأتوقع أن نرى معدلات مرتفعة ومتزايدة للجريمة خلال المرحلة القادمة لم نكن نعرفها من قبل فى هاذين التناقضين "المنتجعات والعشوائيات"، حيث يمثلان الغنى والفقر بكل معانيهما، ومن الآن على الجميع أن يهيئ نفسه لتقبل أنواع الجرائم الجديدة. ولا أعتقد أن التكثيف الأمنى بالقرب من المنتجعات الغنية أو العشوائيات الفقيرة من الممكن أن ينزع فتيل الانفجار، الذى يوشك أن يقع فى أى وقت، فالأوضاع الداخلية فى العشوائيات صعبة للغاية، حيث جميع الجرائم غير المعلنة ترتكب كل يوم، بل كل ساعة، بدءا من السرقة حتى القتل مرورا بزنا المحارم وعمليات الاغتصاب التى ترتكب تحت سمع وبصر الجميع، كل ذلك نتيجة الفقر وقسوة الحياة وشدة الاحتياج ونقص الخدمات وانتهاك آدمية السكان الذين يشعرون أنهم أصفار منسية من قاموس الحياة المصرية، وهذا الشعور إذا ما تملك فئة أو جماعة جعل كل تصرفاتها شاذة وعنيفة تحاول من خلالها التعبير عن نفسها لتبرهن للآخرين أنها موجودة ولم تسقط سهواً. وفى المقابل نرى فى المنتجعات الخاصة جرائم متنوعة ومختلفة وعديدة، وحياة الترف والبذخ والأموال التى تنفق بدون حساب ودون رقابة خاصة من الأهل على الأولاد تجعل الجرائم أو الحياة التى تبدو كالجرائم فى تلك المجتمعات شاذة وغريبة على المجتمع المصرى، فجميعنا بدأ يسمع عن الحفلات التى تقام فى تلك المنتجعات والتى تأخذ أشكالا متعددة غالبا ما تنتهى بنهايات مأساوية، وأصبح الإدمان وتدخين المخدرات من الأمور العادية التى تمارس على الملأ بل ويفتخر المدمنون الآن بأنهم يتعاطونها. التناقض الكبير والغريب الذى أصبح يسيطر على المجتمع المصرى والفجوة السحيقه فى حياة هذا الشعب والتى طرأت خلال السنوات الأخيرة هزت المجمتع بشكل عنيف لم يستطع حتى الآن أن يعود إلى اتزانه ولن يستطيع بسهوله أن يتزن.. الشباب بدأ يفقد الأمل فى ظل هذا التناقض فالفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى، وبين الأمل واليأس يعيش الشباب حالة من فقدان الوعى وأصبح طريق الإدمان سهلا ويسير أمام الشباب الغنى والفقير وهذه هى الخطورة الحقيقية. المناطق العشوائية التى تتنامى وتكبر وتستفحل أصبحت تمثل خطرا على المجتمع المصرى وأصبح العشوائيون الذين يسكنونها قنابل موقوتة تسير فى الشوارع وتصطاد فريستها والأحداث التى وقعت مؤخرا خير دليل على ذلك مثل حادث التحرش الجنسى الجماعى فى شارع جامعة الدول العربية فى عيد الفطر الماضى وحادث مقتل هبة ونادين. ونفس الحال بالنسبة للمنتجعات الجديدة فخطورتها تعنى أن هناك فئة أصبحت منعزلة عن المجتمع أصبحت لا تعرف ما يحدث خارج تلك الأسوار وأصبحوا شبه غرباء عن المجتمع، وهناك فئات كثيرة محرومة أحلت مال ساكنى تلك المنتجات بل وأحلت دماءهم وعرضهم إن أمكن ذلك. نحتاج إلى فك عزلة طبقات المجتمع بعضهم عن بعض هذا هو الضمان الأمنى الحقيقى للجميع، ونحتاج إلى تحسين حياة الطبقات المهمشة وساكنى العشوائيات، ونحتاج إلى زيادة الوعى الاجتماعى للأغنياء تجاه فقراء هذا البلد ذلك لما فيه ضمان لأمنهم الاجتماعى، فالجميع له حقوق فى هذا الوطن والجميع عليه واجبات تجاهه، والغنى عليه واجبات عديدة تجاه الفقراء، ولنحتمى جميعا بكتاب الله ونعود قليلا إلى تعاليمه.