المصريون يصنعون المعجزات إذا ارادوا ذلك.. هذا ليس كلام فض مجالس أو "طنطنة" نرددها فى أعياد الثورة، واحتفالات حرب اكتوبر، وتحرير سيناء وغيرها من الاعياد القومية، بل هذه الحقائق مؤكدة وهو لا يقل عن الصينى أو اليابانى او حتى الالمانى بشرط ان تتوافر للمصرى الظروف المناسبة، بل انه قادر على اختطاف الفرصة، او حتى "السباحة" نحو تلك الفرصة لاقتناصها وصناعة مستقبل افضل. فعندما غابت الفرص التى تصنع حياة افضل امام المواطن، فان العديد من المصريين اختاروا السفر والهجرة حتى يحققوا احلامهم ويذوقوا طعم النجاح الذى استحال عليهم تحقيقه فى بلدهم ويمتاز المصرى، فى سوق العمل الخارجى، بالذكاء والمثابرة والصبر والدأب، ويمكنه ان يعمل اى شىء ولساعات طويلة دون تأفف ودون اجازة، بشرط ان يكون هناك مردود ودخل يوازى تعبه وهو مستعد ان يتنازل عن يوم عطلته الاسبوعية، ويقضيه فى عمله مادام سيدر له دخلا يعوضه ذلك المجهود ويحقق هدفه من الغربة والسفر واحلامه فى تحسين مستواه وهو الامر الذى يبدو شبه مستحيل بين جنسيات اخرى ترى العطلة الاسبوعية امرا مقدسا ولا تتنازل عن التمتع بها حتى فى مقابل اجر مضاعف. وقد شاهدت امثلة ناجحة لمصريين يعيشون فى اوروبا وامريكا وكم سعدت بنماذج نحتت فى الصخر وبدأت من الصفر و حققت شهرة واسعة فى بلد كالبرازيل ولا يتردد المصريون فى الهجرة الى ابعد المسافات مادامت تلوح فى افق تلك البلدان فرص للنجاح، بعد ان اوصدت الابواب فى بلدهم. والغريب ان بعض القرى فى مصر تحولت بالكامل الى مصدر رئيسى للمهاجرين مثل منية السباع التابعة لمحافظة القليوبية وقلوب أهل هذه القرية هى فى قوة وصلابة السباع فعلا، لانهم يفقدون فى محاولات الهجرة غير الشرعية عبر شواطئ المتوسط فلذات اكبادهم، ويودعون العشرات فى كل مرة قد لا ينجو منهم الا القليل، والباقون يذهبون ضحايا لتلك المغامرات، اضافة الى الاموال الطائلة التى تخسرها القرية بأسرها والتي تشترك جميع عائلاتها فى جمعها، كمقابل يدفعونه لسماسرة محترفين فى تهريب المهاجرين الى شواطئ ايطاليا واليونان وتركيا.. ورغم الخسائر الجسيمة لا تتوقف القرية عن اعادة الكرة لتصدير أبنائها والبحث عن الرفاهية - والناس لديها فلسفة طريفة فهم يقولون ان المصريين يموتون فى حوادث المرور والقطارات والعبارات!! ومن ينجحون فى الوصول الى البلدان الاوروبية والاستقرار هناك يصنعون قصص نجاح، ولا يكتفون بما يحققونه لانفسهم وانما يردون لاهلهم ولقريتهم ذلك الفضل فيرسلون الاموال لبناء البيوت الحديثة، وشراء الاراضى الزراعية وانشاء المشروعات، وتحسين المستوى الاجتماعى لعائلاتهم.. واعرف العديد من ابناء قرى القليوبية الذين نجحوا فى ايطاليا فى نشاطات مختلفة فكونوا شركات لجمع القمامة وتوفير عناصر حراسة وامن وادارة مطاعم، وتوسعوا فى تلك الانشطة فاستقدموا ابناء قراهم، و حققوا اشعاعا على مسقط رأسهم وأقاربهم وكانوا بارين بأهاليهم. وحكى لى احد المصريين المقيمين فى احدى الولاياتالامريكية عن ابناء قرية "باطا" التابعة للقليوبية وكيف ذاع صيتهم فى تلك الولاية وكونوا اشبه برابطة للمنحدرين من باطا وانشأوا المتاجر والمطاعم والشركات ونجحوا نجاحا باهرا بفضل التفانى فى العمل وعندما استمعت لقصص عن مغامراتهم وكيف وصلوا الى الاراضى الامريكية من خلال الوصول اولا الى بنما، او المكسيك ثم التسلل عبر هجرة غير شرعية يذوقون خلالها العذابات.. لم املك الا الانبهار امام تلك التجارب رغم رفضى الاخلاقى لمبدأ خرق القانون.. ومن فرط شهرة ابناء باطا فان البوليس الامريكى فى تلك الولاية اصبح يعرفهم بل ينطق رجاله "باطا" بسهولة ويسر، ويقدر شجاعتهم وجدعنتهم وتفانيهم فى العمل.. واصبح ابناء باطة "اصدقاء" للشرطة. كل ذلك يؤكد ان المصرى يبحث عن الفرصة واذا وجدها حتى فى اصعب الظروف فانه قادر على تحويلها لصالحه ويصنع منها نجاحا شخصيا وعائليا عاما، لكن ماذا يفعل اذا حاصره الاحباط والبطالة وضيق ذات اليد، سوف تتحول احلامه الى طاقات تدميرية تتجه اما للارهاب او الانحراف سواء فى المخدرات او ما شابهها.. أفليس ركوب البحار واخطارها اهون من الوقوع فريسة للواقع المحبط او للهزيمة حتى لو كانت تهدد حياته نفسها؟!