عند الشدائد تعرف العربان، أدركنا نحن العرب أن منطقتنا مطمع للصوص وقراصنة الكون، وبتنا نعرف من العدو ومن الصديق، فى الوقت الذى صار العراق معروفاً ببلاد الرافدين، الهلال الخصيب، بوابة العرب الشرقية ويرقد على احتياطى نفطى هائل، وصاحب أفضل معدل تنمية بشرية, وخاصة فى الصحة والتعليم وبشهادة منظمات نظيفة، راحت تحاك له الدسائس، وكان لابد من تجريده والعرب من القوة والثورة والثروة, وجاء العدو بصحبة الشقيق والصديق وذهب العراق مع الريح وسيق إلى المذبح والمسلخ، وأكلوا لحمه وعظامه، ولم تنل الأقطار العربية غير بعض بقع من دم العراق الذبيح تناثرت على الثوب العربى الذى لم يكن يوماً ناصع البياض، بقع فى صورة آلاف وملايين اللاجئين والمهجرين العراقيين فى أقطار العرب، وقائمة من خيرة علماء العراق قتلت بدم بارد، يخطئ من يبحث عن العراق بين مصاف الدول إذ يجب البحث عنه بين مخلفات الحروب والكوارث. صحوة عربية ودفاع مستميت عن الرئيس السودانى عمر البشير, الذى صدر بشأنه أمر ضبط وإحضار، دفاع عربى وإسلامى وأفريقى مثار سخرية ومدعاة للغثيان والتقيؤ، حلاوة روح، يعرف الزعماء كمعرفتهم أبنائهم أنهم أكلوا يوماً أكل الثور العراقى، وأنها مسألة وقت وجدولة وخارطة "مذبح" وكلٌ واردها وعليهم "الحكام العرب" إخلاء الميادين من التماثيل والصور وتجريد الشعب العربى من الأحذية و"الشباشب والقباقيب"، ولقد سبق وقالها الرئيس اليمنى "يجب أن نحلق لأنفسنا قبل أن تحلق لنا أمريكا"، وها هى أمريكا جاءت لتقصهم كما الدواب، إن سؤالاً وجيهاً يشغل الشعب العربى مفاده, هل سيأتى يوم نرى فيه زعيماً عربياً يساق إلى حبل المشنقة ولديه من العزة والإباء والشموخ ما يجعله يرفض تغطية وجهه أثناء تنفيذ الإعدام ولا يبتل غياره الداخلى إن تركوه أصلاً بغيار داخلى؟, هذا هو السؤال الذى ننتظر الإجابة العملية عليه. يخطئ البشير إذا توقع من الزعماء أكثر مما حظى به صدام، ويخطئ لو توهم أن أمريكا والغرب سيغيران موقفهما من السودان, طالما بقى البترول السودانى المبشر، وطالما بقى اليورانيوم مستريحاً فى رحم دارفور، وطالما بقيت الحقيقة الدامغة "أن السودان هو سلة الخبز العربية"، لقد ضربوا مصانع أدوية السودان على أنها مصانع للأسلحة الكيماوية، وتم تمويل تمرد الجنوب حتى وصلوا إلى اتفاق هو الطريق إلى الانفصال، وثار الشرق السودانى والغرب السودانى, وتم تسيير حملة لا تقدر على تسييرها إلا قوى دولية عفية، ماذا فعلنا وماذا قدمنا خلال كل هذه الأحداث، السودان الذى قتلنا مهاجريه فى ميادين القاهرة ورحبت إسرائيل بمهاجريه، وفتحت لهم الأحضان، لقد دارت ماكينة فرم السودان, وسيتم فرمه بالمتبلات والمشهيات وبالهنا والشفا للأكلة التى تداعت وستتداعى على القصعة العربية، إن أى أذى يحل بالسودان إنما هو خنجر غائر بخاصرة وبطن وصدر مصر، إن أمن مصر القومى وروحها وشريان حياتها وعافيتها, إنما هم جميعاً يرقدون على صدر السودان شئنا أم أبينا، لا أدافع عن عمر البشير فكل القادة العرب عمر اسماً وليس بينهم بشير، يبدو أننا عرفنا اسم الذبيحة "أضحية" العيد القادم، ويبدو أننا بحاجة إلى تغيير خرائط الجغرافيا فى المناهج العربية لتأتى الخرائط بدون العراق وبدون السودان حتى إشعار آخر. * فتحى الصومعى مدير بالشهيد عبد المنعم رياض الثانوية بسوهاج