مصطفى الفقي: هندسة المشهد السياسي ليست أمرًا سلبيًا وهذا ما فعله مبارك    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء فرز أصوات الناخبين بالفيوم.. صور    البترول تحقق في واقعة سقوط برج أحد أجهزة الحفر بالصحراء الغربية    ضياء السيد: توروب صنع منظومة دفاعية ذكية، والسوبر جاء في وقته للأهلي    الزراعة: السيطرة على حريق محدود ب"مخلفات تقليم الأشجار" في المتحف الزراعي دون خسائر    من هو أحمد تيمور عريس مى عز الدين؟.. صور    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    مراسل إكسترا نيوز بالبحيرة ل كلمة أخيرة: المرأة تصدرت المشهد الانتخابي    «هيبقى كل حياتك وفجأة هيختفي ويسيبك».. رجل هذا البرج الأكثر تلاعبًا في العلاقات    بالصور.. مي عزالدين تحتفل بزواجها من رجل الأعمال أحمد تيمور    كريم عبدالعزيز يوجّه رسالة مؤثرة لوالده: «اتعلمنا منه الفن»    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    فتح: فرنسا تلعب دورا مهما فى دفع جهود حل شامل للقضية الفلسطينية    هل يشارك الجيش التركي ب«عمليات نوعية» في السودان؟    تقرير لجنة التحقيق في أحداث 7 أكتوبر يؤكد فشل المخابرات العسكرية الإسرائيلية    كريم عبدالعزيز يوجه رسالة لوالده عن جائزة الهرم الذهبي: «علمني الحياة وإن الفن مش هزار»    رئيس العربية للتصنيع: شهادة الآيرس تفتح أبواب التصدير أمام مصنع سيماف    تهديد ترامب بإقامة دعوى قضائية ضد بي بي سي يلقي بالظلال على مستقبلها    هند الضاوي: أبو عمار ترك خيارين للشعب الفلسطيني.. غصن الزيتون أو البندقية    ضبط أخصائي تربيه رياضية ينتحل صفة طبيب لعلاج المرضى ببنى سويف    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    الوطنية للانتخابات": بدء غلق بعض اللجان الفرعية وانطلاق الفرز.. وإصابة موظف بالنيابة الإدارية بإعياء شديد    الجارديان: صلاح خطأ سلوت الأكبر في ليفربول هذا الموسم    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    ديشامب يوضح موقفه من الانتقال إلى الدوري السعودي    المخرج عمرو عابدين: الفنان محمد صبحي بخير.. والرئيس السيسي وجّه وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية    الجامعات المصرية تشارك في البطولة العالمية العاشرة للجامعات ببرشلونة    هؤلاء يشاركون أحمد السقا فى فيلم هيروشيما والتصوير قريبا    الصين تحث الاتحاد الأوروبي على توفير بيئة أعمال نزيهة للشركات الصينية    الرئيس السيسي: مصر تؤكد رفضها القاطع للإضرار بمصالحها المائية    إبداعات مصرية تضىء روما    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    انقطاع التيار الكهربائى عن 24 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    مأساة على الطريق الزراعي.. سيارة تدهس عابر طريق وتودي بحياته في لحظات    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية مدينة نصر    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    مراسل "إكسترا نيوز" ينقل كواليس عملية التصويت في محافظة قنا    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    بث مباشر | مشاهدة مباراة السعودية ومالي الحاسمة للتأهل في كأس العالم للناشئين 2025    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إيديتا للصناعات الغذائية تعلن نتائج الفترة المالية المنتهية فى 30 سبتمبر 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آنست نارا..
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 12 - 2011

كان يمشى على إيقاع الحزن إليها، من آخر خط منقوط لحدود بلاده، لينقب فيها عن تاريخ مدفون، مقتفياً أثر صلاح الدين..
ذهب مشغوفاً بحكايات لا تنفد، وصليبه فوق الظهر وإكليل الشوك يدمى جبينه، بين الطرقات المزدحمة بالمنهوكين، يلهث فى الماضى بعيون ترنو للغد، وخلفه كلاب الصيد تتشمم رائحته، وجواز سفره ملىء بالأختام العربية.
معتقل فى سجن ضلوعه، والقيح ينز، والليل السادر فوق مدينته لا يعقب فجر.. بسمل، قرأ الأوردة عليها وخطى، فالتقطت عيناه بعض الكلمات العبرية، تقيأ عينيه بعض الوقت وتريث لكن لا زالت عبرية!!..
لا زال يفتش بين تلال غافية، عن ينبوع أو أرض دماء جوفية، هل يعقل أن شقوق الأرض قد ابتلعت كلمات الدم العربية؟.. يتساءل.. هل أصبح دمنا بترولاً؟ وإن صار، ألا يعود للكينونة الأولى..؟.. من فينا خدع الآخر؟ من منا باع الآخر؟.. هل يملك شط أن يخدع أصداف الشط؟ وشموخ الجبل أيبقى إن باع رماله؟..
أسئلة مثل هموم مسافر يرحل طول العمر..
قال لها متأوهاً:
- عنقود العنب بكرم مدينتنا الشرقى، عصروه فنزف دمائى ودموعى، امرأة حملت بضع قرون، قتلوا الأم ووأدوا المولود..
هزت كتفيها، عدلت نظارتها فوق عينيها الضيقتين، قالت:
- كلاب كل زمان تنبح والقافلة تسير!
ابتسم شارداً عبر النافذة إلى الأفق الغروبى، همهم:
- عاد الحجاج من الجبهة، ألقوا الجمرات وطافوا، بثياب الإحرام يعودون، ليطوفوا بمدينة فسق..
بينما ذهبت لتعد طعام العشاء، كان يفكر: "من نحن فى هذا العالم؟ ولأين تأخذنا الخطوات؟ بحوار الدم بدأنا فى التنظير، ووضعنا القلب بآلات التقطير، ما كدنا نبلغ بضع سنين فى العشرين حتى ساقونا للميدان، كنا أطفالاً لا زلنا، نحلم بالبيت المسحور وقصور الجان، تركنا الدمية بين يدينا فى المنزل، كى نحمل بدلاً منها الرشاش، ودعنا الأمس الزاهى فى طرقات مدينتنا، بحدائقها ونواصيها، وصبايا كن بخاطرنا غدنا المأمول، وبيوتاً فوق الرمل بنيناها، لجهامة جبل لا ينطق إلا باليأس، لجحيم الحرب وليل الغارات القاسى، وخنادق تأكل أحلى سنوات العمر، مجموعة أطفال كنا فى خط الجبهة، أصبحنا بعد مرور الوقت شيوخ، صرنا لا نتقابل إلا فى صفحات الموتى، والآلة دارت فاغتالت كل اللحظات"..
كان يسير منحنياً، مثل اليهودى الذى أفلس يفتش فى دفاتره القديمة، يبحث عن الرصيد القديم كى يصنع للحاضر قيمة.. خسر الرهان الأخير، وفى الليل عاد سكيراً حزينا، وقهقه يسخر من كبوته، وكان لصوت سقوطه رنين، وشاهدها: مهرته الخاسرة، تسير على نظرة الشامتين، تجرجر أقدامها من ضلوعه وفى دمعة العين تستكين.
استلقى على فراشه، فلما غفا رأى منازل تسقط وأشجار تقصف وأزهار تقطف، أعاصير تحمل رأسه لكفه وتدفن عينيه تحت الرمال فما عاد ينظر.. لكنه سمع الصهيل الأنين يزاحم سخرية الشامتين، يحاصر كل الحروف العقيمة، يفسح للحروف القديمة، فلما أحس بأنه يسترد أنفاسه، دوى انفجار فما عاد يسمع..
صرخ ينادى تلالاً تسافر وأقمار ترحل، لكن صوته طوته الرياح، كانت ذيول تهتز حوله وصوت نباح، صرخ ينادى.. ولكن رحل الصباح.. فما عاد يصرخ.
عندما قابلته أول مرة فى ندوة الحزب، أذهلته لباقتها وجرأتها، كانت على قدر متواضع من الجمال، لكنها أصبحت فى عينيه أجمل النساء، شرح لها منذ البداية مشكلته:
- أوصانى عمى - زوج أمى - أن أسكت، حتى لو أكلوا لحمى فوق موائدهم، أو ملأوا بعرقى كؤوسهم، وتباروا فى فض بكارة حزنى.. أوصانى عمى أن أبكى، أن أبذر فى صمتى بذرة صبرى، أرويها دمع الحرمان البارد، بليالى الغضب المكبوت، علمنى عمى أن مقاطعة الوالى كفر الكفار وزندقة الفاسد، وبأن الوالى ظل الله على الأرض، وكلاب الوالى قدسية، حتى الأنياب المغروسة فى كبدى قدسية، علمنى أن أكتب مدحاً فى الوالى أو مرثية، أن أعبد فى هيكل حزنى تمثال الوالى المعبود، أن يمضى عمرى أوهاماً، أفنيه ليعيش الوالى، والعم حكيم ووقور، والكلمة منه دستور يحفظه آلاف الجوعى..
-
أومأت برأسها فاهمة، ضحكت فى صدرها "هذا هو الزوج المناسب تماماً"..
لكنه آنس ناراً، فلملم حزنه، ورتق جرحه، وأسرع عدواً إلى المبتدأ، جمع الفؤوس، التروس، البنادق، كون حرفاً.. بخر عرقه، دمه، ودمعه، صار سحاباً يظلل أفقه، أرعد فيه فأهمى مداداً، وكانت سطوره حوارى "عيسى" وأسباط "موسى" وخلفاء محمود الأربعة..
خيروه بين الموت نزيفاً وبين الموت انتحاراً، فتصفح النيل كى يسأل عذراءه المستباحة عما إذا كان الموت اختياراً، وعاد قريراً خلال الشقوق، بأرض تجفف فيها النماء، وانساب عذباً يغنى ويمدح "حابى" السماء، ناسجاً خيمة من ضلوعه وغطاء فوق العرايا، فإن سألوه يقول جهاراً: بوجه الرياح، وظلم الليالى.. آنست ناراً..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.