فى ضوء التطورات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ووصول الإسلاميين إلى الحكم فى عدد من الدول العربية، ومؤشرات توحى بوصولهم فى دول أخرى، توقع مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكى أن يكون التعصب وليس التدين هو التهديد القادم فى العالم العربى الجديد بعد أن أصبح صعود الإسلاميين أمرا لا مفر منه. ويقول جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز فى تقرير له مؤخرا، إن الديمقراطيات المتعصبة ستمثل تحسناً ضئيلا عن الأنظمة القديمة التى ستحل محلها، مشيراً إلا أن هذه الديمقراطيات ستنجرف نحو الشعبوية وتتراجع فى نهاية المطاف نحو الأنظمة السلطوية التى جاءت على أطلالها. ورأى ألترمان أنه كلما كانت المجتمعات متسامحة حتى لو لم تكن ديمقراطية بشكل تام، كلما نجحت فى جعل الأطراف الحادة للنظام الجديد أكثر سلاسة، وتسمح بإستيعاب جماعات جديدة دون أن تمس بحقوق الجماعات القائمة، وقال إن التدين لن يكون هو التهديد فى الأنظمة القادمة ولكن التهديد سيكون فى التعصب. ويوضح الخبير الأمريكى إن الكثيرين فى الولاياتالمتحدة بل وفى الشرق الأوسط يشعرون بالقلق من أن المتطرفيين أصبحوا على أعتاب الحكم فى جميع أنحاء المنطقة. ويرى هؤلاء أن وجود كثير من الدين فى السياسة أمر سيئ بالضرورة، لأنه سيجعل الأصوات المتطرفة قريبة من السلطة، إلا أن التحدى القادم للعالم العربى ليس فى إيجاد طريقة لطرد الأصوات الدينية من السياسة، ولكن إيجاد طرق جديدة للجمع بين التقوى والتسامح، ورأى ألترمان أن مثل هذا المزيج يمكن أن يمثل الأساس لمجتمعات أكثر مرونة فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ويشير التقرير إلى أن العالم عرف الكثير من الحكومات التى جمعت بين التدين والتعصب، لأن التدين غالبا ما يفترض المعرفة بالنوايا الإلهية، والأفراد المتدينون فى السلطة يساون بين المعارضة السياسية والردة، ويدعون لأنفسهم وبغير حق، الحق فى فرض العقاب الإلهى. وحتى الآن، لا يوجد صلة فطرية بين التقوى والتعصب. ففى جميع أنحاء العالم، تكون الكثير من الجماعات الدينية سياسية بالأساس. وينطبق هذا على الرهبان البوذيين وعلى السلفيين السعوديين. وعلى مدار عقود، ظلت المعركة المتعلقة بالإسلام السياسى مختلفة. فالجماعات الإسلامية حاربت لأجل السيطرة على الميادين العامة بينما حارب العلمانيون لإخراجهم. وقد اعتمدت الكثير من الدول الملكيية على تشجيع الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين. لكن أحد التطوارات الواعدة فى العالم العربى هو ما يشير إلى عدم وجود ضرورة لذلك، جيث بدأ حزب النهضة الإسلامى فى تونس بالفعل فى التاوصل مع العلمانيين، وفى مصر هناك تحالفات تجمع الأحزاب الدينية بالعلمانية. وعلى الرغم من أن أغلب المحللين الغربيين يتوقعون حدوث انقسام بين العلمانيين والدينيين فى السياسة المصرية، إلا أن المحور الأساسى الذى ستتجه نحوه السياسة فى مصر بعيد تماما عن الوضوح. فمن الناحية العملية، يشوب المعسكر الإسلامى الإنقسام مثلما هو الحال فى المعسكر العلمانى. وربما تسقط التحالفات بين الإسلاميين والعلمانيين، لكن من السذاجة الافتراض أنه لا يوجد خطراً كامناً فى مزج مزيد من الدين بالسياسة فى الشرق الأوسط، لكن من السذاجة أيضا الافتراض أنه من الممكن أن تكون هناك مجتمعات مرنة فى الشرق الأوسط بدون "التقوى الدينية". فالقمع المنهجى للسياسات الإسلامية فى المنطقة ممزوجا بحقيقة أن المسجد هو أحد الأماكن القليلة التى يمكن أن تجتمع فيها حركات المعارضة، سمح بإلهام السياسيين الإسلاميين لطرح أنفسهم كبديل مغرى لا يرضى عن الوضع الراهن. ومن ثم، فإن صعود الإسلاميين حتى ولو كان مؤقتا فهو أمر لا مفر منه. وعلى هذا الأساس دعا التقرير الإدارة الامريكية إلى التركيز على التسامح أكثر من الديمقراطية فى الشرق الأوسط لأن هذا الأمر من شأنه أن يحمى الحق فى الاختلاف. وختم ألترمان تقريره بالقول إنه من الصعب التحول إلى التسامح فى المنطقة، وربما كان السبب فى ذلك هو أن الطريق نحو التسامح، على العكس من الديمقراطية، لا ينتهى أبدا.