يوما بعد الآخر يزداد يقينى بأن النظام الحاكم فى قطر لا يتحرك دون حساب، فكل كلمة أو تحرك تصدر من الأسرة الحاكمة محسوبة، والحساب هنا يتعلق بمصالحهم هم فقط، لكن بعد تزويق هذه المصالح ببعض المصطلحات والعبارات الرنانة التى تستمد من القومية العربية والدفاع عن القضايا العربية ستارا لها، فبالأمس القريب هللنا جميعا لقرار الدوحة باستدعاء رئيس مكتب التمثيل التجارى الإسرائيلى هناك لإبلاغه بإغلاق المكتب ومغادرة الأراضى القطرية مع موظفيه فى غضون أسبوع، ردا على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة نهاية 2008، ومن بعدها سلمنا كعرب إلى قطر راية القيادة باعتبارها أمينة على القومية والقضايا العربية، ونسينا أو تناسينا أن ما يربط قطر بتل أبيب أعمق من أن يفسده قرار قد يكون مرتبا لغلق مؤقت لمكتب التمثيل التجارى الإسرائيلى، الذى عاد سريعا لممارسة عمله. تناسينا الأحضان التى جمعت أمير قطر ورئيس وزرائها بقادة إسرائيل، وهنا لا أعيب عليهم، فكل دولة مسئولة عن علاقاتها حتى وإن كانت مع دولة مصنفة عربيا بأنها عدو، لكن العيب أن يكون لهذه الدولة عدة أوجه، ففى العلن أنتقد وفى الخفاء أحضن وأقبل، فى العلن أستضيف أقطابا للمقاومة الفلسطينية، وفى الخفاء أسمح للقاعدتين الأمريكيتين فى الدوحة بإمداد تل أبيب بالعتاد العسكرى الكفيل بإبادة فلسطينيى القطاع. ما تقوم به قطر هو نوع من اللعب بالنار، فهى مثل الحاوى الذى يعشق السير على الحبال.. بالطبع كل الحبال.. فلسطين وإسرائيل.. إيران وأمريكا.. ممانعة واعتدال.. كله عند الإخوة القطريين "شغال"، طالما أن الهدف واحد، أن تتحول الدولة صغيرة الحجم جغرافيا إلى جبل سياسى مستغلا أمواله وبتروله والعقول الأمريكية والإسرائيلية التى تفكر لهم فى بسط نفوذهم، مستغلة فى سبيل ذلك كل الحيل حتى وأن لجأت للخدعة أو المؤامرة، طالما أنها تستند إلى فضائية الجزيرة التى كشفت وثائق ويكليكس أن مديرها المستقيل وضاح خنفر كان يتلقى تعليمات من المخابرات الأمريكية لتحديد وجهته الإخبارية. قناة الجزيرة التى أغرقتنا بسيل من التقارير والتصريحات التى تنتقد، بل وتحرض فى أوقات أخرى على قضية تصدير الغاز الطبيعى المصرى لإسرائيل باعتباره "عملا خائنا" لا تقوم به إلا دولة خائنة تمد العدو بالغاز، يبدو أنها كانت تمهد الأرضية لشىء ما تحضر له القيادة القطرية فى الخفاء، هذا الشىء تكشفت بعض عناصره مؤخرا بقول مصادر مطلعة إن تل أبيب تتجه لاستيراد الغاز المسال من دولة قطر، بعد أن خاطبت الحكومة القطرية عددا من الشركات الإسرائيلية لتزويدها بالغاز المسال بمدد غير محدودة وبأسعار مخفضة بعد توقف إمدادات مصر من الغاز الطبيعى عقب تفجير خط الغاز الموصل إليها. أنا هنا لا أدافع عن تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، ولست من المرحبين به، لكنى ضد هذه المؤامرة التى تتكشف يوما بعد الآخر ملامحها، مؤامرة بدأت فى شهر مايو الماضى عندما نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو التقى سرا رئيس الوزراء القطرى حمد بن جاسم فى باريس، تناولت التفاوض بين إسرائيل وقطر لتزويد إسرائيل بالغاز القطرى ليكون بديلا للغاز المصرى، وجاء هذا اللقاء الذى عقد فى الأسبوع الأول من مايو تاليا للقاء عقد أيضا بين الرجلين لذات الغرض فى العاصمة البريطانية لندن، والذى استتبعه صدور بيان يؤكد أن قطر ستقوم ببيع الغاز إلى تل أبيب لتعويض النقص فى الكميات التى تصلها من مصر. ألا تكفى هذه الوقائع لتوضح أن ما ترفعه قطر من شعارات ما هى إلا جزء من مخطط ومؤامرة تحاول القفز على الأحداث لتحقيق مصالحهم على حسابنا نحن.