بعد هزيمة 1967 أو كما يحلو للبعض أن يسميها نكسة 67 ظهر الرئيس عبد الناصر أمام الناس بكلمات ألهبت قلوب الملايين وأدمعت أعين الجماهير فقد قال " لقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه وإننى قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أى منصب شعبى وأى منصب قيادى أن أعود إلى صفوف الجماهير". وبعد خطابه مباشرة خرج الشعب مطالباً إياه بالبقاء رغم المرارة وهزيمة الروح لدى الجنود والشعب، فكانت تلك كلماته وتلك حكمته وحنكة هيكل الذى صاغ الكلمات بكل براعة واحتراف.. وجاء نصر أكتوبر المجيد والذى أعاد للجيش هيبته وأعاد إلى الشعب كرامته وأعاد السادات أيضاً إلى قادة الجيش وجنوده بعد أن كان بعيداً عنه لفترات طويلة نعلمها جميعاً جيداً.. وبدأ فى ترقية القادة والأفراد وكان أبرزهم حسنى مبارك فأصبح نائباً للرئيس وهو الذى لم يكن يحلم يوماً أن يكون سفيراً، ونسى السادات الجماهير فى آخر أيامه ولم يلتفت إلى الشعب فاغتيل وسط جنوده وقادة جيوشه.. وجاء إلينا مبارك رئيساً للجمهورية وظل يحكم لثلاثين عاماً اعتمد خلالها على الأمن والقبضة الحديدية التى جاءت من ترقيات قيادات الأمن واستخدامهم فى كافة المناصب المدنية فكان منهم المحافظون ورؤساء المدن وكل الهيئات الحكومية حتى المصانع والمرافق العامة فصار همهم الأكبر إبراز الطاعة والولاء لكبيرهم وولى نعمتهم.. ومن لم يتقلد منصباً يأخذ الهبات والعطايا حتى أصبح هناك كتائب من اللصوص والمجرمين وتم عزل الشعب عن الحياة السياسية وزج الجماهير فى المشاكل اليومية فصارت الدولة بين فكى الحزب الوطنى والداخلية. وكان هذا الخطأ فى حق الجماهير ثمناً باهظاً فأودى بمبارك إلى السجن ذليلاً. فالصمت الطويل للشعب أعقبة الانفجار الرهيب وطالبت الجموع بالرحيل، ورحل إلى الأبد غير آسفين عليه. وتتجلى الحقائق والحكم البالغة بأن الجماهير هى التى تعين وهى والتى تهين. فكان مكسب عبد الناصر لها هو البقاء رغم الهزيمة، وتجنيب السادات لها هو الاغتيال والموت، وعزلها من ذاكرة مبارك كان نتيجته رحيله وإذلاله. رؤساء ثلاثة وحكمة واحدة هى " الجماهير ثم الجماهير".