يخطئ من يظن أن الحروب بيننا وبينهم قد انتهت, أو يتصور أن بحور المؤامرات قد توقفت، وأن جبال الحقد والكراهية تجاهنا قد نسفت، أو يعتقد أنهم يرغبون فى القضاء على الفقر والبطالة والأمية من بلادنا.. فيا من تظنون وتتصورون وتعتقدون.. إنهم ينامون.. هؤلاء لا يعرفون النوم.. هؤلاء يخططون ويدبرون لنا المكائد فهم خير من يضعون السم فى العسل.. إنهم لا يريدوننا فى صفوف أبدا بل يريدوننا دائما خارج التصنيف، فجعلونا أمة بلا صوت بلا صورة بلا رؤية بلا حلم، بلا علم، أمة كمريض بمرض عضال ينتظر موته فى أى لحظة. وكذلك جعلونا من أصحاب اليد السفلى نأخذ ولا نعطى.. نستهلك ولا ننتج.. أمة مهمشة بلا دور بلا قرار، زرعوا فينا الخوف اغتالوا إرادتنا كل ذلك أمام أعيننا، ونحن نشاهدهم مكتوفى الأيدى كالمخرج الذى يقود عمل هابط، وهو مدرك أنه غير هادف، ولكن لابد من أن يظل العمل كما هو بلا تعديل أو تغيير. يا سادة إن الحروب مازالت قائمة، وإن كانت تدار بلا جيش أو طائرات أو صواريخ، إنها حروب من نوع خاص حروب غير مكلفة ولكنها مدمرة, أكثر ألف مرة من حروب الجيوش والطائرات، فالحروب من هذا النوع لا تكلفهم ثمن صاروخ واحد يقذف فى إحدى المناورات العسكرية استطاعوا بهذه الحروب الرخيصة أن يفعلوا أكثر مما قد يفعلون لو دخلوا الحروب معنا مستخدمين كل الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، إنها حروب لا تكلفهم أى مجهود يذكر.. قد بدوا معنا بأول حرب (حرب الجنس) نعم استطاعوا أن يجعلونا على رأس قائمة الذين يشاهدون الجنس فى العالم.. تمكنوا من إجبار أكثر من 60 فى المائة من شبابنا على الجلوس على الإنترنت من أجل الجنس، رغم أن 15 فى المائة من شبابهم فقط يدخلون على الجنس.. أتدرون أنهم أغرقوا أطفالنا فى الجنس من خلال إتاحة إمكانية تحميل ومشاهدة أحدث الأفلام الإباحية فى العالم بأقل من جنيه ونصف من على أى تليفون محمول. أتدرون أن هناك أكثر من 200 ألف موقع إباحى على الإنترنت، تستطيع أن تخترقه أحدها بمجرد الضغط على (ذر) فى الكمبيوتر الذى نترك أطفالنا وشبابنا أمامه بالساعات دون أدنى رقابة، ولا نستعجب عندما تعلن دراسة أن هناك 120 ألف حالة تحرش واغتصاب كل عام، أتدرون لماذا، لأن الفراغ أصبح على قائمتنا.. فلماذا لا يأتى الفراغ وشبابنا يجلسون على المقاهى وهم يسمعون عن الأرقام الفلكية فى الأجور الذى يتقضاه شباب فى مثل أعمارهم لأنهم وجدوا الواسطة المناسبة لهم، وعلينا ألا نتعجب عندما نعلم أن 75 فى المائة من الوظائف فى مصر بالواسطة، وهو ما دفع أحد أصدقائى أن يبدل الحكمة العظيمة التى تقول إن بالتقوى تبلغ ما تريد وبالاخلاص يلين لك الحديد، إلى بالمال تبلغ ما تريد وبالواسطة يلين لك الحديد. أتدرون أن هناك دراسة أثبت أن أجر راقصة فى اليوم يساوى أجر 400 باحث وعالم شهريا، فهل تنتظر للعلم أن تقوم له قومه.. هذا فضلا عن اغتيالهم لأخلاقنا، ولكم فى الجرائم التى يشيب لها الجنين فى بطن أمه البرهان، فهذا يقتل أمه من أجل المخدرات وأم تذبح ابنتها لأنها رأتها فى موضع مخل. وحفيدة تقتل جدها وجدتها المكفوفين من أجل سرقة ملاليم إنها الحرب الأخلاقية.. أتدرون إنهم نادمون خاضوا الحروب القديمة معنا، والتى كلفتهم الكثير، نادمون لأنهم أدركوا الحل الأمثل فى القضاء علينا بأبخس الإثمان، أنهم تذكروا ما حدث فى سقوط الأندلس أسقطوها أعدائنا عندما أبعدوهم عن منهج وقانون القرآن وعن الأخلاق وعن المبادئ، وهو نفس النهج الذى يسلكوه معنا ونجحوا باقتدار فى غرس حب الدنيا فى قلوبنا، فأصبحنا من عشاق الحياة، وأصبحنا نتعامل بمنطق عيش الحياة ودع يوما كان مقداره 50 ألف سنة، أصبحنا نعيش فى الحياة كما لو كنا سنخلد، فهذا يرتشى بل يتباهى بالرشوة، وذاك يتباهى بالربا بل يعتبرها شطارة وفتونة، وهذا يستولى على أموال الفقراء، وهذا يتاجر بدين الله، هؤلاء نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ونسوا التاريخ الذى سوف يضعهم فى صفحاته الملوثة، أصبحنا مجتمعا غريبا مجتمعا بلا ملامح بلا معالم مجتمعا فيه الأطفال ينتحرون والآباء على بناتهم يعتدون والأمهات يقتلون أبناءهم. وعلى الرغم من حبنا الشديد للحياة لم نقدم لها شيئا يذكر، اللهم إلا إننا نتغنى ونترحم على الأطلال، مازلنا فى غيبوبة فى كل شىء، لم نقدم للحياة ولا للبشرية أى شىء، واليوم نتسول كل شىء، من من هم كانوا يبحثون عن لقمة أو معلومة فى بلادنا.. لكن اليوم قتلونا يوم أصبحت مجتمعاتنا ترتكب فيها جرائم يشيب لها الوليد، ولو نطق لطلب أن يعود إلى نفس المكان الذى أخرج منه.. قاتلونا يوم أن دمرت أسمى وأجل وأقدس علاقة اجتماعية علاقة الأم مع أبنائها، أم تذبح بناتها، وأب يغتصب ابنته، وتلميذ يغتصب زميلته، نعم هزمونا سحقونا، ولكن دون أن يطلقوا رصاصة واحدة أو يفقدوا جنديا واحدا. قتلونا يوم أن تركونا فى زمن لا عدل ولا رحمة، قاتلونا يوم أن أغرقوا شبابنا فى الجنس، وجعلوهم أشد إدمانا فى نوعية الإدمان، جعلوا الشباب تلهس وراء كل ما هو جنس، فنسوا الله فأنساهم أنفسهم، وأصبحوا غير مدركين فى أى طريق يسلكون.